2016: الحرب الإلكترونية على "داعش".. خاسرة

بتول خليل

السبت 2016/12/24
المبادرات التي قامت بها الحكومات وشركات التقنية خلال العام 2016 بهدف منع "داعش" من التمدد والتواصل وبث الدعاية والتجنيد في الفضاء الرقمي، والتي رافقتها جهود حثيثة سعت لتقويض قدرة التنظيم وشلّ حركته في مختلف المواقع والمنصات الاجتماعية، ظهرت مؤشرات عديدة تُنبىء بانتقالها في المرحلة المقبلة إلى مستويات مختلفة، أكثر تشابكاً وتعقيداً. وذلك بالتزامن مع بداية نهاية مفهوم الدولة ومركزية الخلافة الإسلامية، التي سعى تنظيم "الدولة الإسلامية" إلى بنائها بحسب شكلها المُعلن، وتوَقُع تحولها إلى العمل السري المنتشر حول العالم من خلال خلايا ناشطة تشابه عمل "القاعدة" بعد الحرب الأميركية على أفغانستان. وذلك عقب الهزائم والخسائر العسكرية والمادية التي طاولت "داعش" إثر حصاره في العراق وسوريا، ما أدى إلى نضوب قدراته المادية واستنزاف مقدراته البشرية ولا-إمكانية تعويضها، مقارنة بالسنوات السابقة.

الحصار الرقمي والالكتروني يأتي داعماً وموازياً للحرب التي تستهدف "داعش" على الأرض، بعدما خصصت دول عديدة، على رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا، شتى أنواع التقنيات وأدوات المراقبة بهدف ملاحقة "داعش" وتفكيك منظومته الالكترونية وسد منافذه التي يستخدمها للتجنيد والتواصل. إلا أن ذلك ليس بالأمر اليسير كما يبدو، خصوصاً أن "داعش" قام برفع مستوى حذره في استخدام المواقع الجهادية وشبكات التواصل، إلى جانب تزويد عناصره بالأدوات والنصائح التقنية وإتاحته للبرامج والتقنيات المتعلقة بحماية بيانات عناصره عبر الانترنت، والتي تضمنت دعوة لحجب بروتوكول الانترنت IP الخاص بعناصره، واستخدام شبكات بديلة VPN، وتشفير نشاطهم ورسائلهم عبر الانترنت. كما أشارت تقارير خبراء أن العام 2016 شهد نزوحاً لعدد كبير من عناصر "داعش" من مواقع التواصل الشهيرة مثل "تويتر" و"فايسبوك"، نحو مواقع أخرى بينها "كونتاكت" و"داياسبورا" الروسيين، حيث تُعتمد شبكة من الخوادم المستقلة اللامركزية، والتي يصعب تعقبها ورصد حركتها.

الولايات المتحدة التي أدركت مدى صعوبة تعقّب الارهابيين والقضاء على نشاطهم في الانترنت، أعلنت أوائل 2016 عن نيتها زيادة حصة الحرب المعلوماتية في ميزانية الدفاع للعام 2017 بنسبة 15%، لتصل إلى 6.7 مليارات دولار، أي بنسبة تفوق 1% من ميزانية الدفاع الإجمالية. أتى ذلك عقب تحذيرات أطلقها خبراء في مجال المعلوماتية من أن قدرات "داعش" في المجال الرقمي باتت تتيح له تدمير البنية التحتية غير المحمية أو المساكن التي تستخدم خوادم الانترنت لأهداف عامة وخاصة، تاركاً مئات الآلاف من أنظمة التحكم الصناعية والتجارية، بما في ذلك النمو المتسارع لـ"انترنت الأشياء" عرضة للاضطراب. وذلك بموازة ما كشفه باحثون عن أن "داعش" نشط بشكل ملحوظ في ما يسمّى بـ"الويب المظلم" Dark Web، وهي عبارة عن مواقع غير مرئية لمحركات البحث، لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال برامج متخصصة.

وفي حين لم تُعلن الولايات المتحدة خططها الهادفة إلى تدمير قدرات "داعش" الالكترونية، ولا عن ماهية أسلحتها المعلوماتية - على اعتبار أن سرية الأسلحة والخطط هي الضمانة لفعاليتها ليس فقط ضد داعش، بل ضد خصوم آخرين أيضاً -  فإنّ الرهان الذي أطلقته "القيادة الالكترونية الأميركية"، والتي تضم 133 وحدة قتالية مؤلفة من أكثر من 6 آلاف جندي متخصص في حرب المعلوماتية، والذي قضى بإمكانية التصدي الاستباقي للهجمات الإرهابية ومنع حصولها على الأرض، قابَلته مؤشرات متصاعدة إلى خسارة الولايات المتحدة وأوروبا في هذا الإطار، خصوصاً مع تنامي وتمدد خطر التنظيم في بؤر جديدة في أوروبا وأفريقيا ضمن خلايا متحركة، ونشاطها الالكتروني ليس محصوراً في رقعة محددة يسهل اختراقها.

وعلى الرغم من ضرورة تفعيل الجهود المتكاملة بين الحكومات والشركات التقنية، يبدو أن الأخيرة أدركت مؤخراً أن رؤية الحكومات لمعركة القضاء على الإرهاب الإلكتروني، تفتقر إلى تكتيكات عملانية واضحة ترقى إلى مستوى قدرات "داعش" المعلوماتية وطريقة حركته في شبكة الانترنت، عوضاً عن النظر إلى الأمر من ناحية "إفقاد التنظيم الثقة بشبكاته وإرهاقها كي لا تتمكن من العمل"، كما اعلنت الحكومة الأميركية في مستهل حربها الالكترونية على "داعش". لذلك، أطلقت كل من "مايكروسوفت" و"فايسبوك" و"تويتر" و"يوتيوب"، الشهر الجاري، شراكة عالمية تهدف إلى تسريع عملية الكشف عن المحتوى الإرهابي الطابع في شبكة الانترنت ووقف انتشاره، من خلال إتفاق الشركات الأربع على إنشاء قاعدة بيانات مشتركة، تتضمن "البصمات الرقمية" للصور أو شرائط الفيديو الترويجية والمُعدَّة للاستقطاب والتجنيد والتي تنشر في منصاتها، في ما بدا وكأنه تتويج لإنجازات حققتها الشركات في وقت سابق من العام، بعدما نجحت "تويتر" في إغلاق أكثر من 360 ألف حساب تروّج للإرهاب، ولحظ الخبراء تراجعاً في استخدام "الجهاديين" لمنصتها. إلا أن الإنجاز الأكبر كان لصالح موقع "فايسبوك" الذي تصدّر قائمة 15 شركة تقنية نجحت في التصدي، بنسبة عالية، للخطاب الإرهابي في العام 2016، على ما جاء في التقرير السنوي لـ"مركز سيمون ويسانثال"، الذي أشار أيضاً إلى تراجع استخدام "الجهاديين" لمنصتي "تيلغرام" و"كيك" المشفرتين، بعد الحملات التي قامت بها إدارتا الشركتين للحد من انتشار الخطاب الارهابي ودعايته.

يرى البعض في المبادرة الأخيرة للشركات التقنية، نقطة تحوّل مهمة في مسار الحرب الالكترونية ضد الإرهاب، خصوصاً أنه سوف يتبعها خطوة أخرى تتمثل بقرار "لجنة مكافحة الإرهاب" في "الأمم المتحدة" بتقديم مشروع لمجلس الأمن في نيسان/أبريل 2017 يشرح إطار العمل الجديد في التصدّي للرسائل المتطرفة في شبكة الانترنت. لكن، في المقابل، هناك من يرى أن نجاح الاستراتيجيات المطروحة لا يمكن أن ينفصل عن مدى ملاءمتها ومواكبتها للطبيعة المتغيرة لتكنولوجيا الإرهاب والمعلومات والإتصالات، في حين يذهب آخرون إلى أن المبادرات الأخيرة المطروحة لا يُتوقع أن تكون بمثابة "الرصاصة الفضية" التي ستقضي الكترونياً على الإرهاب. فالمرحلة المقبلة تنبىء بهجمات "الذئاب المنفردة"، وتحرّكات الخلايا النائمة لن يتم الحث عليها في "فايسبوك" أو "تويتر" أو "يوتيوب"، التي لن تتضمن بدورها دعوات للهجمات من قبل "داعش" و"القاعدة" وغيرها من الجماعات.  

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024