اعتداء البدرشين:نقاش"الطرحة" ومفهوم الرجولة

أحمد ندا

الأحد 2017/07/16
 
"الحادثة تشبه ما يحدث في سيناء". عبارة ترددت كثيراً في مواقع التواصل الاجتماعي، كتعليق سريع على حادثة استهداف سيارة شرطة وقتل كل من فيها في "البدرشين" في محافظة الجيزة. الجملة التي تبدو عفوية، حملت الكثير من الدلالات المخيفة حول كيف يرى الناس أن الإرهاب الذي يحدث في وضح النهار هو بالضرورة بعيد عن العاصمة، حيث مكانه على أطراف الدولة. هذه المرة على مقربة من القاهرة الكبرى. وفي الصباح، وثّقته كاميرا محطة بنزين.

الحادثة مروعة بكل تفاصيلها، وتكشف العوار الذي تعيشه الداخلية، في توجيه قوتها إلى المواطنين فيما الإرهاب يتوغل بسهولة في مناطق سيطرتها الكاملة ويتحول من التفجيرات إلى الهجوم المسلح. وهو ما توقف عنده المصريون طويلاً، بغرض مساءلة القائمين على الأجهزة الأمنية عن طبيعة التدريب والتجهيز المخصص لها، لكن النقاش حاد عن أصله ومنطقه إلى ما هو أكثر عبثية، والسبب إعلامي.

فقد خرج الإعلامي محمد الدسوقي رشدي، على شاشة "النهار" في برنامج "آخر النهار" ليقول إن "مصر لم تعُد تتحمل المخنثين ولا المتفذلكين، بل تحتاج فقط إلى رجال.. كل مواطن في هذه البلد يجب أن يعلم إنه إما أن يقف وقفة رجالة في ضهر الرجالة الذين يحاربون في الصف الأول، أو "يلبس طرحة" ويصور نفسه ويسيب الصورة ذكرى عشان التاريخ يحكم ويبقى عنده صورة للرجالة، وصورة لآخرين مش رجالة". يلوم رشدي إذن المواطنين ويطالبهم بحماية الداخلية والجيش أو أن يرتدوا "طرحة". وهو، ناهيك عن خطابه الذكوري المنحط، فهو قد سحب النقاش بعيداً عما يهمّ حقاً إلى لوم الشعب.

وتحول السجال بعد ذلك في مواقع التواصل الاجتماعي وعلى الشاشات إلى السؤال العبثي: هل يمكن لوم المواطنين الواقفين حقاً؟ مصطفى بكري عبر برنامجه "حقائق وأسرار" على "صدى البلد"، إستنكر ردة فعل المواطنين لكنه لم "يلبسهم طُرح" كما فعل رشدي. عمرو أديب قال إن موقفهم طبيعي لأنهم مدنيون غير مدربين على التعامل مع هذه المواقف الصعبة. لميس الحديدي أخذت القضية إلى ما هو أبعد من ذلك وقالت إن رجال الشرطة بحاجة إلى تدريب أكثر: "نحن لسنا على أهبة الاستعداد، ورجال الشرطة في البدرشين تم استهدافهم بسهولة، لذا يجب أن نكون جميعاً على أعلى مستوى من اليقظة ضد الإرهاب".. لكن كان لا بد أن تضيف لمستها المزايدة وتطالب المواطنين بأن يتحولوا إلى مخبرين : "أنا هنا لا أتحدث عن الجيش والشرطة فحسب، ولكن عن المواطنين أيضاً، وعلى المواطن أن يقوم بالإبلاغ عن كل من يشك في أنهم ينتمون للجماعات الإرهابية". الإعلامي محمد الباز في برنامج 90 دقيقة حلل لقطة الفيديو ليبرئ ساحة المواطنين مما حدث!

أما في مواقع التواصل الاجتماعي، وعبر هاشتاغات #البدرشين و#الشرطة، تحوّل السجال إلى ما أثاره رشدي في برنامجه والنقاشات بين لائمي المواطنين الذين حضروا الواقعة ولم يتحركوا وبين مدافعين عنهم. النقاش أخذ مناحي شديدة الحدة بين الطرفين، وبدأت الاستشهادات "التاريخية" بأن ردة فعل المواطنين طبيعية مثل واقعة المنصة الشهيرة التي راح ضحيتها الرئيس السادات وكيف اختبأ نائبه ووزير دفاعه من الرصاص وهم عسكريون ولم يلمهم أحد و"يلبسهم طرح" فما بالك بمواطنين عاديين؟!

خارج ذلك النقاش المحموم الغريب، غابت القضية الأساس، وهي مساءلة الحكومة التي بنت شرعيتها على محاربة الإرهاب واستعادة الأمن وفشل الارهاب المستمر طوال السنوات الأربع الماضية في تحقيق أية نتائج ملموسة على أرض الواقع، وكيف استطاع طوال الفترة الماضية تدريب الإعلام على إثارة ما يفتح شهية المتابعين للنقاش بعيداً عن القضايا الأهم. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024