كيم شامتاً: النبأ المفبرك يغذي سياقه المركب

روجيه عوطة

الأربعاء 2018/01/10
أتى في النبأ البصري أن زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون يحمل كتاب "نار وغضب"، الذي كتبه مايكل وولف عن دونالد ترامب ومصير الولايات المتحدة الأميركية، ذلك، في حين إطلاقه لضحكة الشامت. جرى تداول هذا النبأ عالمياً، وقد أدرج في سياق النزاع، ذات النبرة العالية والحادة، بين ترامب وجونغ أون بشأن التجارب النووية، التي يقدم عليها نظام الأخير.

نشر كثيرون من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، فضلاً عن وسائل الإعلام الإلكتروني، النبأ وصورته. وفي خاطرهم، أن أون، الذي اعتادوا على أفعاله غير المألوفة، قد يعمد إلى الشخوص على هذا النحو، الذي يشير به إلى فرحه بالمكروه الذي أصاب ترامب على إثر كتاب وولف. فها هو قد كسب معركة ضده، وعبر مواطن له أيضاً. خاطر هؤلاء دقيق، لكن، ما لا دقة فيه هو النبأ نفسه. فبعد ساعات على ذيوعه، تبين أنه كاذب، أي أن صورته مركبة "فوتوشبياً".
هذا ما يدفع إلى التحديق القليل في مقلب من مقالب النبأ المفبرك. إذ إن ذيوعه يستلزم إندراجه في سياق معد سلفاً له، لكنه، سياق فاقد، إما لفصول منه، وإما لذراه. فسياق نبأ أون هو نزاعه مع ترامب، الذي تبادل التهديدات معه، لكنه، سياق لا يستكمله التصعيد، ولا تنقله الحرب إلى غيره. بالتالي، يبقى مفتوحاً، قوامه ذلك النزاع. أما، ديناميته، فلا يمكن التكهن بها دائماً.

هكذا، يجد النبأ المفبرك سياقه المؤكد، ويحل مكان المفقود منه، وهو، في حالة نبأ أون، متعلق بفصول ديناميته، وليس بذرى حربه، يعني بردة فعل أون على أثر ما خلفه كتاب وولف في ترامب تحديداً. 

يستمد النبأ قوته من سياق صحيح، أو فعلي، ولكن، قوته لكي تصير حقيقةً، لا بد أن يتلقاه قارئه على أساس معين، ينطوي على استفهام وميل متشابكين.

الأول، قد يكون، والمثال هو نبأ أون باستمرار: تُرى ماذا فعل أون حين عرف بكتاب وولف، وحين علم بوقع هذا الكتاب على ترامب؟ الجواب في صورة النبأ المفبرك: قرر أن يأتي بالكتاب، ويتصور حاملاً له، وفي أثناء ذلك، يقهقه شامتاً بعدوه. 

أما، الثاني، أي الميل، فموضوعه هو متابعة النزاع بين أون وترامب كما لو أنه مسلسل حركة، حلقاته المشوقة توالت، غير أنها سرعان ما انقطعت، ولهذا، عندما أصيبت إحدى شخصياته، أي الرئيس الأميركي، بكتاب وولف، كان لا بد من الالتفات إلى الشخصية المزاحمة له، أي أون، للدراية بوضعه. وهذا، من أجل استئناف ما تواتر وانقضى. 

فالنبأ المفبرك يحقق الميل إلى متابعة مسلسل النزاع من خلال تأليف حلقة من حلقاته، ومن خلال التأكيد أن انقطاع المسلسل إياه لا يدل على توقفه، إذ إن عودته إلى الشاشة متاحة في أي لحظة. فيكفي أن يتبدل وضع بطل من أبطاله، كي يبدأ من جديد.

على أن الاستفهام والميل، ومع أن المتابعين هم الذين يزاولونهما، غير أنهما ليسا من صناعتهم، بل من صناعة النظام الإعلامي فيهم. ذلك، أن هذا النظام، ومن أجل أن يطلعهم على سياق الأحداث، أكانت سياسية أم غيرها، ويشد أنظارهم إليه، يقدمه لهم كمسلسلٍ، لا يستحصل على حقيقته من جراء وقوعه تلك الأحداث قبله، ولكن، من جراء تركيبه لها بالتدريج والتهوين والتعجيل، عدا عن الإثارة طبعاً. 

فكلما كان هذا المسلسل متين التركيب على هذا المنوال يصير حقيقياً أكثر. وليغدو هكذا، لا بد لذلك النظام، الذي يقدمه، أن يعتني باختيار أحداثه، وإن لم يجد فيها ما يساعده على تقوية تركيبه، يدخل في الإنتظار، مترقباً إياه. 

في هذه اللحظة بالذات، لحظة دخول النظام في انتظار الحدث الذي يساعده في إبرام تركيبه المسلسل، يبدو الأخير منقطعاً، وبلا مجريات. بالتالي، يتبرع أحد متابعيه في إرفاده بحدث يتصل به، ويسيره. وما هذا الحدث سوى النبأ المفبرك بعد تعليق النبأ المركب.

من هنا، قد تصح الإشارة إلى أن النبأ المفبرك لا يولد لتدمير النبأ المركب، أو ما سميَّ آنفاً بالسياق المؤكد، والفعلي، والحقيقي، والصحيح، بل يولد لتغذيته، وللإقدام على مد نظامه بالحدث المنتظر كي يضيفه عليه. وبهذا، المهم فيه ليس كونه مفبركاً، أو مزوراً، ولكن، المهم فيه أنه يدل على كيفية بناء النظام الإعلامي سياق الأحداث كمسلسل، يذهب من التشويق إلى التعليق والترقب. 

وبدوره، هذا النظام، وعندما يمضي إلى معالجة النبأ المفبرك، يقع في الحيرة من أمره، فمن ناحية، يريد مكافحته لأنه يجلي بناءه، مثلما يجلي كون الحقيقة فيه تفيد بالتركيب المتين، ومن ناحية أخرى، لا يمكنه التخلص منه لأنه من إنتاج هذا البناء، ولأنه مساعد له في وقت انتظاره، من ناحية، يريد اسئصاله دفاعاً عن المتلقين، ومن ناحية أخرى، لا يقدر على ضبطه لأنه من عطايا هؤلاء، الذين، وعبر التبرع به، يثبتون لنظامهم أنهم منصهرون فيه.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024