السعودية : مشاهدات من واقعة جَلد رائف بدوي

منى حمدان

السبت 2015/01/10

تخطت الساعة الثانية عشرة والنصف بتوقيت السعودية، يوم الجمعة ٩ كانون الثاني/يناير ٢٠١٥. انتهى مرتادو مسجد الجفالي في جدة من صلاة الجماعة. تجمهر الناس في مسافة قريبة من باحة المسجد. شكّلوا حلقة كبيرة. هم يعرفون أن أحد "المجرمين" سيجلد اليوم، فهذا المسجد تحديداً شاهد دائماً على عمليات جلد علنية للمدانين بجرائم في المملكة.

 

وصل الباص التابع للسجن. شخصت أنظارهم إليه. بدأ رجال الشرطة بإنزال "المدان" من الباص إلى الساحة. أنزل رجال الشرطة الرجل مقيد اليدين والرجلين.

 

إنه رائف بدوي، المدون والناشط الحقوقي، الذي بدأت السلطات تنفيذ حكم جلده في العلن ٥٠ جلدة من أصل ألف جلدة، أمام المسجد. أما بقية الحكم، فسيُنفذ على مدى ٥٠ أسبوعاً.

 

وقف رائف وسط الدائرة الكبيرة التي شكلها المتفرجون لمشاهدته. وبدأ العسكري بجلده من خلف ظهره حتى نهاية رجليه. أحد الشهود على عملية الجلد، رأى رائف يتألم ويرفع رأسه إلى السماء كأنه يستجدي عدالة إلهية ما. "الضرب كان شديداً ومتتالياً ومؤلماً". استمرت العملية نحو ربع ساعة، بعدها توقف الجلد واستمر الألم وهتف المتفرجون: "الله أكبر، الله أكبر". ثم أخذوا رائف. أعادوه إلى الباص، وعادوا به إلى السجن حيث سيمضي بقية عقوبته.

 

حكاية رائف المتهم بالـ"الليبيرالية"

أمضى رائف حتى اليوم نحو عامين وسبعة أشهر في السجن، منذ منتصف حزيران/يونيو عام 2012، ووجهت له تهم "بتأسيس موقع الكتروني يقوّض الأمن العام والسخرية من رموز دينية". إذ تضمن موقعه الالكتروني مقالات، انتقدت أعضاء الشرطة الدينية السعودية التي تحمل اسم "جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".

 

حكمت عليه محكمة جنايات جدة أولاً بالسجن سبع سنوات وبـ600 جلدة، لكن بعد أن طعن الادعاء على الحكم ووصفه بالـ"متساهل"، حكم عليه مجدداً العام الماضي بالسجن عشر سنوات وغرامة قدرها مليون ريال سعودي (266 ألف دولار أميركي) وألف جلدة. كما قررت المحكمة إغلاق موقعه "الليبراليون السعوديون" بشكل تام، وتَضَمّن الحكم منعه من المشاركة في الوسائل الإعلامية المقروءة والمسموعة لمدة 10 سنوات بعد انتهاء محكوميته، ومنعه من السفر خارج المملكة 10 سنوات.

 

المتابع لقضية رائف بدوي، يعرف طبعاً قضية زوج أخته سمر ومحاميه وليد أبو الخير الذي ينفّذ اليوم حكماً بالسجن لمدة خمسة عشر عاماً بسبب نشاطه الحقوقي. سمر ما زالت اليوم في المملكة، تحاول إكمال نشاطها والبقاء صامدة من أجل زوجها وشقيقها. فهل كانت سمر تشاهد أخاها يجلد؟ هل رأته يتألم؟ هل شعرت بعجزه عن مقاومة جلّاديه؟ هل بكت في سرّها؟

 

ربما لم تبكِ. فامرأة مثلها تعرضت للسجن بسبب نشاطها الحقوقي، وسجن زوجها وشقيقها، وتخلى عنها والدها، وتربي طفلة رضيعة وحدها، ربما أصبحت واحدة من أقوى النساء. تساؤلات لا نملك الإجابة عليها. لكن الأكيد أن إنصاف، زوجة رائف، لم يتسنَ لها أن تراه. هي أصبحت خارج المملكة منذ نحو سنتين. إنصاف لم تحتمل العيش في ظل هذا النظام وهذا المجتمع. خافت على نفسها وعلى أولادها الثلاثة. فوالدهم متهم بالـ"ردة"، وغالبية رجال الدين في المملكة يكرهونه. وضّبت أغراضها. أخذت أولادها نجوى (١٢ سنة)، طراد (١٠ سنوات) ومريام (سبع سنوات)، ورحلت إلى كندا طالبة اللجوء بعيداً عن المملكة.

 

أصداء الربيع العربي في المملكة

صحيح أن للسعودية تاريخاً طويلاً من قمع حرية التعبير والناشطين المعارضين للنظام، إلا أن هذه الحملة تكثفت منذ انطلاق الحراك في المنطقة العربية عام ٢٠١١. فقد أعلنت "هيومن رايتس ووتش"، في بيان أصدرته في كانون الثاني 2013، أن "المنع من السفر وعمليات الطرد وحملات التشويه والاعتقالات والملاحقات القضائية التي تمارسها المملكة العربية السعودية، تعتبر إجراءات ترهيب". ولفتت المنظمة في بيانها إلى أن "المملكة تخشى انتقال عدوى الربيع العربي إليها".

 

القضية لا تنتهي عند رائف بدوي أو محاميه وليد أبو الخير. لائحة الأسماء طويلة والاتهامات جاهزة. فهي إما "إهانة الدين الإسلامي" أو "إهانة القضاء" أو "الإضرار بسمعة المملكة". بدءاً من ملاحقة مبارك بن زعير عام ٢٠٠٤، وصولاً إلى سجن وليد أبو الخير عام ٢٠١٤.

 

في المملكة لا يوجد قانون عقوبات مكتوب، لذلك فإن للقضاة حق إصدار الأحكام وفق تفسيراتهم الخاصة  للشريعة الإسلامية، التي تشكل أساس نظام الحكم في البلاد. لكن في العام ٢٠١٤، أصدرت السلطات أول قانون مكتوب يلحظ جرائم الإرهاب، التي تتضمن أعمالاً مثل "الاتصال أو المراسلة مع أي جماعات معادية للمملكة، وحمل دول أو لجان أو منظمات دولية على معاداة المملكة، والدعوة إلى والمشاركة والترويج أو التحريض على الاعتصامات أو المسيرات".

 

وكانت هيئة حقوق الإنسان السعودية، دحضت على لسان نائب رئيسها زيد بن عبد المحسن آل حسين، في بداية شهر تموز/يوليو ٢٠١٤، ما أسمته "الافتراءات والاتهامات التي تسوقها جهات مناوئة، تحاول النيل من المملكة وتشكك في مراعاتها لحقوق مواطنيها والمقيمين على أرضها". كما سبق لوزير العدل السعودي محمد العيسى أن نفى بدوره في تصريحات للصحافة، وجود معتقلين في قضايا رأي في بلاده، واصفاً مصطلح سجناء الرأي بـ"البدعة" التي تسيء إلى سمعة المملكة.

 

وصادقت المملكة عام ٢٠٠٨، على الميثاق العربي لحقوق الإنسان، كما صادقت على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي يقع ضمن بنودها "حرية الرأي والتعبير والممارسات الحقوقية السلمية"، كما ينص النظام الأساسي للحكم في المادة  ٨١ ع على احترام المعاهدات الدولية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024