قضية الحريري: تلاقي الصحافة الإسرائيلية مع الإعلام الممانع

المدن - ميديا

الثلاثاء 2017/11/14
لا يكاد المرء يدخل إلى مواقع الصحف الإسرائيلية حتى يتدفق أمامه سيل الأخبار والمقالات التحليلية التي تتناول موضوع إستقالة الحريري و"إختطافه" من قبل السعودية. فبعد نشوةٍ قصيرة عاشتها الصحافة الإسرائيلية، إبان نقلها خبر إنقسام لبنان وبداية مواجهة السعودية وإيران، حسم الإسرائيليون النقاش بشأن إستدعاء الحريري إلى السعودية معتبرةً رئيس الحكومة اللبناني "رهينةً" لدى السعوديين، كما عنونت "يديعوت أحرونوت".

إهتمام الصحافة الإسرائيلية بالحدث السعودي-اللبناني لم يخل من الحذر. فبالرغم من حديثها عن حربٍ محتملة بين إسرائيل و"حزب الله"، خلال الأيام الأولى التي تلت إستقالة الحريري، إتخذت الصحافة الإسرائيلية دور المراقب تجاه النزاع العربي-العربي، محافظةً على مسافةٍ من السعودية ونائيةً بنفسها عن ممارسات محمد بن سلمان. لم يصفق الإعلام الإسرائيلي لتصرفات ولي العهد، وبعد البحث في دوافعه، إستنتجت صحيفة "هآرتس" أن "محمد بن سلمان لا يمتلك خطة"، ووصفته "يديعوت أحرونوت" بالرجل "الذي فقد صبره"، وهي قراءة تتوافق مع خطاب نصرالله الذي وصف فيه السعودية بالرجل "الأعمى ضراب السيوف".

كما تلاقت الصحافة الإسرائيلية مع الإعلام الممانع في ردّ الغضب السعودي إلى "فشل داعش وحرب اليمن"، كما كتبت المحللة السياسية سمدار بيري في "يديعوت أحرونوت". قاربت بيري تصرفات ولي العهد بلغة المنطق، فعزتها إلى قلق المملكة من "إنتزاع إيران للبنان من النفوذ السعودي"، ووضعتها في إطار "إحداث بلبلة في لبنان وإدخاله في دوامة". أما "هآرتس"، فقد ذهبت أبعد من ذلك في نقدها لتصرفات السعودية، فإتهمتها بإستخدام إسرائيل من أجل "أعمالها القذرة في جبهتها الجديدة ضدّ إيران". وقد حذّرت هآرتس من "إنزلاق إسرائيل في فخّ الدخول بمواجهة عسكرية سابقة لأوانها"، وتساءلت عما إذا كانت السعودية "تتقصّد تأجيج الخلاف بين المعسكرين".

ومن باب تجنب الإنسياق وراء التخبط السعودي، وقف الإعلام الإسرائيلي موقف الحياد، مسلطاً الضوء على الجانب القبلي لهذا النزاع. ففي تقديمها لخلفية حول الرئيس الحريري، ركّزت شتى المقالات الإسرائيلية على وراثته السلطة من بعد أبيه، وعن علاقة أسرة آل حريري بالنظام السعودي. كما صوّرت الحريري على أنه "مدير غير ناجح" مشيرةً إلى إقتراضه مليارات الدولارات من أجل شركته "سعودي اوجيه" التي إنتهت إلى الإفلاس، وفق ما جاء في "هآرتس".

أما في ما يخصّ العقوبات الاقتصادية التي هدّدت بها السعودية، فلم تتحمّس لها الصحافة الإسرائيلية بشكلٍ غريزي، بل أقرّت بأنها "غير كافية لإحداث أي تغيير فعلي في الحكومة اللبنانية، بل أنها قد تسمح لإيران بأن تحلّ مكان السعودية كالراعي الاقتصادي للبنان،" مكرّرةً كلام نصرالله نفسه. كما ألمحت "هآرتس" إلى أن ما فعلته السعودية تخطى الخطوط الحُمر في مجال العلاقات الدبلوماسية، وقد أعربت عن ريبتها إزاء السعودية، واصفةً ما يحصل بالـ"كابوس بالنسبة للمجتمع الدولي".

إجتمع الإعلامان اللبناني والإسرائيلي على حقيقة دخول البلدين مرحلة جديدة. وبالرغم من كون "حزب الله" العدو الأوّل لإسرائيل، إلا أن إعلامها إتخذ موقفاً محايداً، متنصلاً من السعودية وممارستها. لم تُبدِ الصحافة الإسرائيلية أي تأييد أو تعاطف مع السعودية، على عكس ما أرادت. وهنا لا بدّ من التساؤل عن مصلحة هذه الصحافة في إتخاذها دور المحلّل، فهل هو يصبّ في إطار التحريض على الصراع بين السعودية ولبنان، أم أنه منطلق من محاولة تجنّب الإنزلاق في حربٍ هي بغنى عنها؟ 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024