نكرهه لأننا لا نجيد متعته

روجيه عوطة

الجمعة 2017/07/14
"إنها صدمة الاستمتاعات، ومنها، تصدر الدعوة الى رب واحد" (ايريك لوران).

لنبدأ بهذا: الكره المسلط على أحد ما، مشروط بالإعتقاد بأنه يستمتع بطريقة مختلفة عن طريقة إستمتاعنا. إذ لا نتحمل طريقة استمتاعه، ووضعنا هذا حيالها، يشير إلى كوننا عاجزين عن الأخذ بها، على الرغم من رغبتنا فيها، والتي سرعان ما نكبتها. 

فذلك الـ"أحد ما"، وبحضوره أمامنا، يميط اللثام عما نعمد إلى قمعه في أنفسنا، لأنه، وببساطة، يستمتع بما نرغب فيه، بما نكبت رغبتنا فيه، ولا حيلة لنا على خوضها، وبالتالي، على خوضه. فلا نطيق هذا الـ"أحد ما"، وفي إثره، نتحول من مكبوتين إلى مكبودين - أي مملوئين بالغيظ - فنمضي إلى إقصائه ونفيه، علّنا بذلك نواصل نكراننا لحقائق بعينها. أولاً، أننا نكبت رغبةً نعجز عنها، الرغبة في أن نستمتع على طريقة هذا الـ"أحد ما". وثانياً، أن ثمة دنيا لا تتطابق مع دنيانا، ولهذا، وبحسبنا، تهددها. 

فنحن نكره هذا الـ"أحد ما" ليس لأننا نظنه آخر، بل لأننا، وقبل حضوره أمامنا، لا نؤمن بوجود أي آخر: "لا آخر، ولهذا، كل مختلف عنا، كل غير لنا، هو بالضرورة آخرتنا". وأن لا نؤمن بوجود أي آخر، فهذا ما يدفعنا إلى إفساد مواضعه فينا، أي إلى اتلاف قلوبنا، والإستعاضة عنها بما لا ينبضنا، بأكبادنا السوداء. 

لا ننظر إلى الـ"أحد ما" على أساس أنه آخرُنا، بل آخرتنا، ولهذا نمضي إلى كرهه، وعندما نقدم على ذلك، فلكي نخفي لا قدرتنا على تحقيق رغبتنا المكبوتة في طريقة إستمتاعه، وأيضاً، لكي نحفظ تماثلنا، ونقويه. فنجد في كرهنا له صلة توحدنا بالإنطلاق من كوننا ننتمي إلى المحيط ذاته، أكان طبقة، وسط، بلد، ثلة، جيش... من كوننا نتجانس في نمط استمتاعنا، تماماً، كما يفعل القتلة في فيلم the purge. 

نكره الـ"أحد ما" لكي نعلن لأنفسنا بأننا نتمسك بما نتوهمه عنها، ومفاده بأنها تعيش في فردوسها، وليس في جحيمها الذي يقبل منه. الكره هنا هو الذي يضعنا على ارتباط بـ"الواحد"، الذي نبغيه لكي يجمعنا، ولا يمكننا أن نثبته سوى عبر نفي ذلك الـ"أحد ما" أكثر فأكثر. كما أن الكره أيضاً هو الذي ينتج "الواحد"، الذي، وبالإستناد إليه، نشرع في العدّ.

على أن تغيير الكره إلى الواحد، إلى الصلة الموِّحدة، تؤكد على أننا، وقبل لواح الـ"أحد ما" أمامنا، لم نكن على علاقةٍ ببعضنا البعض، وعلى أنه لا مشترك بيننا على الإطلاق. وحين نجتمع على  كره ذلك الـ"أحد ما"، فذلك دليل على أن أياً منا سيغدو في لحظة من اللحظات محله. في المحصلة، نكرهه لكي ننكر أننا "يوماً ما" سنصير على حالته، وهذه الـ"يوماً ما" ترادف كل الأيام: نكرهه لكي ننكر بأننا هذا الـ"أحد ما" على الدوام. مع العلم أن الفارق بينه وبيننا، أنه، وفي مكانه، "أحد ما" حي. أما نحن، وفي مكاننا، فلا نستطيع سوى أن نمثل الحياة لكي نتستر على موتنا. 

نحدق في الـ"أحد ما" أمامنا لنقتنع بأننا لسنا هو، ونلغيه لنقتنع بأننا لم نكن هو أبداً، وإذا قبلنا به، فنعرضه، وباستمرار، الى امتحانات شتى، نبغي من خلالها استعراض القوة عليه، والتحكم فيه. فبدمج الـ"أحد ما" أو بطرده، يبقى كرهنا له ابتغاءً للواحد الذي نعبده، ونقدّم له، في كل مرة، الكثير من الذبائح.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024