"تحرير" الرقة: أين تبخّر مقاتلو "داعش"؟

نذير رضا

الخميس 2017/10/19
لا تكفي كل تلك الصور التي انتشرت عقب طرد تنظيم "داعش" من معقله في الرقة، لايضاح مجريات المعركة في المدينة، ونصرها الموثق. فالمعركة، منذ انطلاقتها قبل أشهر، بقيت بلا صور مؤثرة توثق لمجريات الحرب، الا في ما ندر، تماماً كما هو حال مختلف المعارك التي اندلعت هذا العام ضد التنظيم في أكثر من موقع ومكان في سوريا. طُمِرت المعارك، وحيثياتها، ولم يتلقَ الجمهور الا النتائج التي تركت اسئلة ملحة: أين تبخّر الارهابيون؟
الصور التي خرجت من الرقة، بعد تحريرها، وتظهر نساء يخلعن النقاب، غير كافية لشرح ملابسات المعركة وفصولها. تتشابه الصور مع صور خرجت من مناطق أخرى في ريف الرقة، أو في منبج على سبيل المثال لا الحصر. نساء يرفعن النقاب، ويخلعنه، في اشارة الى تحررهن من سطوة التنظيم وقوانينه.

الصور، إذ تتكرر بعد المعركة الأخيرة، فإنها لا تقول شيئاً عن مسار المعركة، سوى "تحرير النسوة"، وتحرير الخلق من ارهاب ديني عقائدي يتزامن مع ارهاب تكفيري طبع الرقة على مدى ثلاث سنوات. وهي نتيجة للمعركة القاسية ضد التنظيم. وهذا يماثل حكماً صور الدمار الذي لحق بالمدينة جراء العمليات العسكرية، وهو المتوقع من حجم المعارك وثقلها. 

على أن اخفاء الصور منذ انطلاق المعركة، وندرة الصور الجوية التي تظهر ملاحقة القذائف لمقاتلي التنظيم، كما هو الحال في العراق أو مناطق أخرى في سوريا، يقود الى تكريس سياسة طمس المعارك، لا ايضاحها. وهو بالفعل ما دفع لطرح أسئلة مكررة، للمرة الثانية خلال شهرين، عن مصير الدواعش، وكيف تبخروا؟

في المرة الاولى، طرحت الأسئلة إثر اجلاء هؤلاء من الحدود اللبنانية مع سوريا بموجب صفقة معلنة رعاها النظام السوري، أفضت الى نقل المقاتلين الى شرق البلاد. والآن، تجددت الأسئلة: "اين تسرّب عناصر التنظيم؟"، ليُستتبع بتندر ورد في حساب مدوّن في "تويتر"، حين قال ان "تبخر مقاتلي داعش من مناطق سيطرتهم، هو عملية فيزيائية معقدة تتطلب دراستها في الجامعات العالمية"! 

والواقع أن اخفاء الصور، لا يبرر الأسئلة فحسب، بل يدفع الى الشك في ما اذا كانت هناك صفقات، أفضت الى ترحيل الاجانب، أو تسليمهم الى جهات استخبارية دولية، كما تردد. ثمة صورة واحدة تظهر عشرات العناصر الذين استسلموا، نشرها ممثل الرئيس الاميركي في التحالف الدولي ضد داعش، بريت ماكغورك في حسابه في "تويتر"، تزامنت مع نشره معلومات عن مقتل أكثر من ستة آلاف مقاتل للتنظيم. 

ورغم الكثير من المعلومات والتصريحات، فإن الضخ الأخير لصور الفرح بالتحرر من سطوة التنظيم، والدمار الذي لحق المدينة، أُريد به التعويض عن طمس الصور، واخفاء حيثيات المعركة بصرياً. وربما تكون المعارك ضد "داعش"، اختباراً للأداء المستقبلي للاعلام، بإبعاد وسائله وعدساته، وتوثيقه بالتصريحات فقط، ما يكرس سياسة الحروب المخفية. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024