رحلة البحث عن "عندليب أميركا"

أحمد ندا

الثلاثاء 2017/09/12
عندما يعجز محرك البحث "غوغل" عن معرفة شخصية ما، حتى الصفحات العاشرة والحادية عشرة –وهي الصفحات التي تنشر الأكاذيب والأقاويل والشائعات وأشياء مرتبطة من بعيد بالكلمات المفتاحية- يعني أن هناك مشكلة ما في "وجود" هذه الشخصية. رحلة بحث لساعات تحت كلمات "عندليب أميركا" و"وحيد زاهر" تحيل نتائجها إلى صفحته الشخصية في يوتيوب أو واحدة من أغانيه العجيبة.
يخبرنا "يوتيوب" أن وحيد زاهر يعيش في أميركا، مصري الجنسية في نهايات الثلاثينيات أو بداية الأربعينيات في أقصى تقدير، يحب الرئيس الدكتور بشار حافظ الأسد "بطل الأمة" كما يسميه، اشتهرت له في نهايات 2016، أغنية "حلب رجعت لنا"، وهي التي تسببت في وجود الصفحات العشر الأولى في محرك البحث.

عشرات المقالات المهاجمة –سورية في معظمها- تعاملت بجدية أكثر من اللازم مع منتحل الأداء الحليمي، ولا مانع من أن يُنقل اسمه خاطئاً "عماد زاهر" و"جميل زاهر" وهم من أطلقوا عليه "ساخرين" لقب "عندليب أميركا"، فاستحسنه وحيد واعتمده! 

بعد شهرة أغنيته عن حلب، حاول أن يغازل الدولتيين المصريين، مرة بالغناء عن الشهداء، ومرة أخرى في حب مصر، لكن الغرابة أنه لم يغنِ للسيسي في أي مرة، وهو ما كان ليحقق له شهرة مماثلة في مصر التي تتلقف مثل هذه الرداءات الفنية براحة ساخرة غير مسبوقة. 

غير أنه لم يفعلها، فأغانيه الـ16 في صفحة "يوتيوب"، محصورة بين العاطفي (من كلماته وألحانه أيضاً) والوطني السوري المحتفي بالأسد، والوطني المصري العام. التفسير الأقرب للمنطقية وبعدما أذاعت قناة "سما" (السورية شبه الرسمية) أغانيه مرات عديدة، أنه يفعلها بتكليف ما، هذا هو الأرجح، وإلا لفا سبب لحماسه الشديد للغناء للرئيس السوري.. سوى أن هذا الوحيد يعيش حياة شديدة الوحدة. 

لكن الافتراض أنه يغني بتكليف فعلاً، يوافق التصور السوري الرسمي عن حضور سوريا العالمي والافتراضي: مجموعة من المرتزقة، بعضهم غير سوري، لتلميع صورة الدكتور الرئيس، تكون نتيجتها شيئاً مشوهاً يشبه الدولة السورية في ذهن مؤيديها. 

ويبدو أن عندليب أميركا يعيش حياة عندليب مصر كما يتخيلها. فقبل أن يُطْلق "وحدته" في فيديوهات "يوتيوب"، كان قد وضع اسمه في موقع "زواج مجاني للباحثين عن الزواج الشرعي"، وكل معلومات الصفحة تحيل إليه. يعود تواجده الأحدث في الموقع إلى العام 2015: شاب وقتها في الـ37 من عمره، يعيش في نيويورك في الولايات المتحدة، يعمل في مجال الفن، متوسط القامة، ملتزم بالصلاة، يطلب الزواج بفتاة من أي بلد بأي صفات، لكنه يريدها محجبة. 

لا يمكن أن تتكرر الصفات التي منحها لنفسه، مع الاسم والمكان، إلا في الأفلام الأميركية الرديئة. قال عن نفسه "أنا مطرب أعيش في أميركا، هادئ الطباع، أحب الحياة، أريد زوجة حنونة ترعاني وتخاف علي ونكون سوياً في السراء والضراء.. تكون في حياتي رقم واحد وأكون في حياتها رقم واحد.. أبحث عن بنت للزواج من الولايات المتّحدة، زوجة ممتلئة، زوجة شرقية، تخاف الله، على قدر من الجمال، تحب الاستقرار، تقدس الحياة الزوجية، عازبة، مطلقة". ثم يبدو أنه لم يوفق، أغانيه العاطفية تقول الكثير عن وحدة لم يعاجلها إلقاء طلبات الزواج على صفحات إلكترونية في مواقع مجهولة، فتحولت عاطفته تماماً كما رسمها الكليشيه: وطن رأى فيه بشار حافظ الأسد بديلاً لفتاة أحلامه.

إذا جاز لنا أن نملأ فراغات "غوغل"، فنحن أمام شاب في نهايات شبابه وعلى أعتاب كهولته، يحلم بالفن، والنجومية، كما في فيلمي "شارع الحب" و"معبودة الجماهير". لكن الواقع لم يقبل نسخاً أخرى من حليم، يكفيه هاني شاكر وعماد عبد الحليم. فإذا كانت المرة الأولى "تتبدى كمأساة" وفي الثانية "كمهزلة"، فهي في الثالثة مع وحيد زاهر تتبدى كمهزلة مأساوية للغاية. هذا الوحيد قرر أن يعطي لنفسه أهمية ما بغناء موجه، يعيد استنساخ وطنيات عبد الحليم في "عبد الناصر الجديد الألثغ"، ليملأ أيامه بالجدل.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024