الحريري.. أب شاب للجمهورية

نذير رضا

الأحد 2017/03/19
للمرة الأولى منذ العام 2015، تثمر التحركات الشعبية نجاحاً، حتى لو كان آنياً. نجحت الى حد كبير في استدعاء السلطة المسؤولة عن القرارات الحكومية، للوقوف على مطالبها، على الرغم من أن التحرك فشل في تلقف الرسالة، واستثمارها أيضاً، كونه ترك لبعض رواده فرصة التعبير المقيت عن الغضب، برمي عبوات المياه الفارغة نحو رئيس الحكومة سعد الحريري.
 
وللمرة الأولى أيضاً، في تاريخ التحركات الشعبية، تنزل السلطة من عليائها للوقف على مطالب المتظاهرين، ولاحتواء غضبهم، واختبار جديتهم وسلمتيهم، بالدعوة لتأليف وفد يمثلهم لتقديم المطالب للحكومة. وهو اختبار من شأنه أن يقصّر عمر الحراك، خلافاً لحراك 2015، وذلك كونه سيؤدي لتحقيق مطالب المتظاهرين، إذا كانوا قادرين على تنظيم أنفسهم، وتعلموا من أخطاء الحراك الماضي... أو سيؤدي إلى وأد الحراك منذ يومه الاول، في حال فشل المتظاهرون في الاستجابة لدعوته. 

على المستوى السياسي، تُقرأ زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري الى ساحة رياض الصلح في هذا الاطار. فهو إحتوى التحركات، وأكد جدية حكومته بالاستجابة لطلبات الشعب، بعد رمي الكرة في ملعبهم. لكن على المستويات الأخرى، رفد الحريري حكومته بجرعة قوة، وثبّتها، على الاقل حتى الانتخابات النيابية المقبلة، لمواجهة تحديات الشارع. واقتنص فرصة ذهبية لتأكيد دوره كرجل دولة، حريص على الاستماع لمطالب شعبه، ولا تحجب اتصاله بهم عبوات مياه فارغة، ولا عصيّ اعتاد المتظاهرون رمي حراس الجمهورية بها، وإحالة الفعل الى "طابور خامس". 

القراءة الأولى لمبادرة الحريري، كُتبت مفاعيلها في مواقع التواصل الاجتماعي. انتهت الاتهامات لحكومة الحريري بمحاولاته "إفقار اللبنانيين". عوضاً عن ذلك، حلّ في صورة البطل. وظهر كرجل دولة حريص على شعبه. متواضع. شجاع. حكيم. لا يتردد في مواجهة خصومه. و"أب شاب للجمهورية"، يصفح عن رميه بعبوات الماء الفارغة، وعن السباب ولافتات الإدانة لحكومته.

تلك الصورة، ما كان ليصنعها لولا أنه بادر ليكون الى جانب متهميه. في فعله، دعاهم لمواجهة هم أعجز من أن يندفعوا اليها. كسب الجولة، بخسائر تعادل صفراً. وخطّ لمسيرة طويلة في السلطة، كشفت أنه عاد اليها أقوى من ذي قبل، وأكثر خبرة وتمرساً، وأكثر قدرة على الالتفاف على الاتهامات. وأكثر جرأة في محاكاة الأزمة التي فشلت حكومة الرئيس تمام سلام في الاستجابة لها. وأكثر استطاعة على صناعة حيثية سبقه اليها مخضرمون في السلطة. 

في زيارته، منح المتظاهرين نشوة الانتصار. أصلاً، لا يحتاجون الى أكثر من الاعتراف بأن صوتهم يُسمع. ورمى الكرة في ملعبهم، لاختبار قدرتهم على التنظيم. وهو سلوك ذكي، أكثر دهاء من الانزلاق الى تأييد المطالب، والانسحاب منها "بسبب أعمال الشغب"، كما حصل في تظاهرة آب 2015، وتكرر اليوم الأحد. 

فالابتكار السياسي لدى الحريري، دفعه لمواجهة بالتأكيد ستعود لصالحه، وتخرجه منتصراً كرئيس حكومة، وكمسؤول يحسن الإصغاء لمطالب الشعب والغاضبين. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024