التغطية اللبنانية لمأساة اسطنبول: توقفوا عن جَلد الإعلام

نذير رضا

الإثنين 2017/01/02
انهيارات الاهالي على الهواء مباشرة، ليست صورة معبرة عن هول المأساة في تغطية الحادث الارهابي الذي تعرض له الساهرون في نادٍ ليلي في مدينة اسطنبول ليلة رأس السنة. هي انتهاك قاس لحرمة الموت، وخصوصية الاهالي، وفجيعة المحبين. لم تتعلم وسائل الاعلام احترام تلك الخصوصية، على مدى كوارث ألمت بالجسم اللبناني، جراء الارهاب. فالبحث عن السبق، يتخطى كل التداعيات.. لكن بدلً من جَلد وسائل الاعلام، التي بالغت فعلاً في انتهاك الخصوصية، لنسأل بداية عن الاسباب الموجبة، وأهمها غياب المعلومات الرسمية. 
سبقت وسائل الاعلام، الحكومة اللبنانية، في الحصول على معلومات حول الضحايا أو المصابين اللبنانيين. الجهد الذي بذلته، استناداً الى انباء استقتها من مواقع التواصل الاجتماعي، ووسائل اعلام عالمية، يكشف تأخر الحكومة عن الالمام بأزمة مشابهة. فالحكومة، التي لم تخطط لكيفية الاستجابة للأزمات، وجدت نفسها أمام معضلة التسابق مع الشاشات والمواقع الالكترونية التي سارعت للبحث عن خبر، وبثه، مسكونة بهاجس "السبق". 

ويمثل اعتراف رئيس الحكومة سعد الحريري بذلك النقص، أبلغ تعبير عن عمق الثغرة في الاستجابة للأزمة. قال: "هناك مسؤولية كبرى علينا أن نعمل سويا، سواء كدولة أو كوسائل إعلام، على أساس أن هناك ضحايا وهناك أهالٍ، ويجب أن نحاول قدر المستطاع أن نعرف الحقيقة".

في تصريحه، كشفٌ عن ثغرة، وانتقاد صريح لاداء الحكومة، كما لأداء وسائل الاعلام التي تقدر جهودها بالبحث عن معلومة، وبثها. لكنها، في الوقت نفسه، هي محط انتقاد أيضاً، بالنظر الى وضعها السرعة في أولويتها، ما منعها من التأكد من المعلومات. وهنا، تتحمل مسؤولية كبيرة، قد تتخطى مسؤولية الحكومة، بالنظر الى ان التضارب، في أزمة مشابهة، يمثل ارباكاً للجهات الرسمية، وللأهالي الذين ظهروا على الهواء في حالة انهيار. 

الفارق بين وسائل الاعلام اللننبانية والاميركية في أزمات مشابهة، يتمثل في أداء الحكومة. في مأساة "11 سبتمبر"، كانت وسائل الاعلام المصدر الأول للمعلومات. لكن بعد نصف ساعة، باتت وسائل الاعلام صدى للمعلومات الرسمية. فالحكومة الاميركية آنذاك، سارعت للسيطرة على الارباك الاعلامي. وضخت معلومات موثوقة، عبر خلية أزمة، صححت مسارات التغطية. 

غير أن هذا الواقع لم يتكرر في الغرب في أحداث مشابهة. فحين تعرضت مدينة نيس الفرنسية العام الماضي لحادث ارهابي، لم تسارع وسائل الاعلام إلى بث معلومات مغلوطة. وصّفته، خلال الساعة الاولى، بالحادث، قبل أن تبدأ بنقل المعلومات الموثوقة نقلاً عن مصادر رسمية. 

المثلان، لا ينطبقان على التغطية في لبنان. فلا الحكومة تستطيع السيطرة على المعلومات، من خلال سرعة في رفد وسائل الاعلام بها، لأنها لا تمتلكها أصلاً.. ولا وسائل الاعلام تريثت للحصول على معلومات مشابهة. حاولت أن تكون بديلاً عن الحكومة، لكنها وقعت ضحية التضليل، وضللت، على اثره، لبنانيين ينتظرون أخباراً سعيدة. 

الشاهد في التغطية، أن المبالغة في البحث عن سبق، أوقعت وسائل الاعلام في المحظور الانساني. كيف يمكن أن نخترق خصوصية ملتاع، ينتظر خبراً مطمئناً، فنعالجه بخبر مأساوي؟ كيف يمكن أن تكون الدمعة مادة للجذب، ولتوصيف المأساة؟ كيف يمكن أن يواصل مراسل رسالته المباشرة من صالون المنزل، وفي الخلفية رجل منهار، أو أخت تندب الفاجعة؟ 

من هنا، كانت دعوة وزير الاعلام ملحم الرياشي "لاحترام خصوصية اهلنا الذين فقدوا ابناءهم في اسطنبول، وفق مقتضى القيم التي يتمتع زملاؤنا بها". فهي تمثل انتقاداً رسمياً لأداء وسائل الاعلام التي ذهبت الى السبق، وقدمت الخبر ونقيضه، كما انها اخترقت الخصوصية، وذهبت الى الشوفينية وادعاء البطولة، عبر طلب أحد المراسلين من الصليب الاحمر الحضور الى منزل احد الضحايا، لاسعاف أحد أفراد عائلته المنهارين. 

ربما، تمثل تغريدة وزير الاعلام، تدخلاً للجم وسائل الاعلام عن البحث عن سبق على حساب دموع المفجوعين. وإذا كانت الانتقادات التي طاولت التغطية الاعلامية المحلية، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ترتقي الى مستوى التحذير، بهدف التصويب، وكانت محقة الى حد ما، فمن المجدي أيضاً البحث عن دور الحكومة في تقديم المعلومات، وانشاء مراكز فورية للنقل المباشر، لحماية خصوصية الضحايا وطمأنتهم.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024