"عين على السوريين في لبنان".. مأسسة العنصرية

نذير رضا

السبت 2016/10/01
أخرج عنصريون لبنانيون ضد السوريين، الهجمات الإعلامية من إطاريها السياسي والشعبوي. باتت الدعاية ضد السوريين "موثقة" بأرقام ملتبسة، تستند الى الأخبار المنشورة في وسائل الاعلام عن التوقيفات لدى السلطات الأمنية اللبنانية، ولا تعلن عن الأحكام القضائية.. في خطوة هي الأكثر نجاعة للتحريض على اللاجئين، بوصفهم "مرتكبين" و"مجرمين".. إلى أن يثبت العكس.. هذا إن وُجد من ينبري لإثباته!
هذا الجهد الذي يبذله ناشط عنصري مجهول حتى هذه اللحظة، يُنشر في موقع الكتروني يحمل عنوان "عين على السوريين في لبنان". لا تشير الأخبار صراحة الى أن اللاجئين مرتكبون، لكن النشر في زحمة الحملات الدعائية ضد اللاجئين، يشير الى أن الهدف لا يطاول السوريين، كعمال يتواجدون في لبنان منذ الخمسينيات، بل يسعى إلى رفع المخاوف من "حزمة من البشر" هم السوريين، خصوصاً اللاجئين، وتأكيد الهواجس الأقلوية، ومنحها "شرعية" على ضوء ربطها بالأرقام.

2513 مرتكب سوري، خلال ستة أشهر، وثّقوا في 210 تقارير. من شأن هذا الرقم أن يصور السوريين كحفنة من المجرمين بالجُملة بلا أي تمايزات، ما يبرر للحملات اللاإنسانية ضدهم. التمعن في الأرقام، سيظهر أن 1803 أشخاص أوقفوا بسبب دخولهم البلاد بطريقة غير شرعية. بينما ينعدم الموقوفون بتهمة الخطف، في حين تتنوع تهم الموقوفين الآخرين بين تهريب وتجارة أسلحة، وحيازة الأسلحة والمخدرات، والاحتيال والقتل والاغتصاب والسرقة والقيام بأعمال ارهابية... لكن هل هذه "الصفات" حكر على فئة أو جنسية؟ أم أنها ببساطة الأرقام التي قد نراها في أي مجتمع، ولو كان المجتمع اللبناني "الصافي" من "الغرباء"؟ 

يختفي القائم بالموقع وراء دعايته. لا يكشف عن اسمه. يسعى لتحقيق غرضه وفق استراتيجية Low Profile. الغاية أكبر من الإشهار، برأيه.. والتشهير، أبلغ من الإعلان. يتذرع بالارقام، ويخدع المطلع عليها. فهو يكتفي بالخبر الأولي، ولا ينشر ملحقاته، لعل أهمها الأحكام القضائية. ويضع تلك الارقام، بمعزل عن مقارنات، ستُظهر بالتأكيد، أن هذا العدد من الارتكابات، هو أقل بكثير مما يرتكبه اللبنانيون بشكل طبيعي، كما هو الحال في أي دولة. فتصوير السوريين على أنهم "مجرمون" و"مرتكبون"، يشرّع استهدافهم بوصفهم أداة جريمة، وبشكل جوهراني، وبوصفهم أسباب التوتر الأمني وفقدان الأمان الاجتماعي.. في بلد يغلي بانقساماته السياسية والمذهبية والمناطقية. 

العنصرية، بهذا الفعل، تدخل مرحلة المأسسة. لم تعد مجرد تصريحات سياسية، ومخاوف وهمية. أُنشئ الموقع ليكون أداة التوكيد على الخطر المزعوم. سيكون دليلاً للعنصريين، يسهل عليهم مهام التحريض ضد اللاجئين. هنا تكمن خطورته، وهي ما دفع القائم عليه للاستتار، منعاً لفقدانه دوره المأمول، إذا ما كُشف عن وجه مروّجه. فانكشافه، سيتيح نقضه، عبر تأكيد هويته السياسية ومراميه من وراء الموقع. 

واستطراداً، لا ينفع انكار الموقع لـ"إثارة العنصرية أو الحقد تجاه الأشقاء السوريين"، كما جاء في سجله التعريفي، ولا يطمس أهدافه الواضحة. فالارقام المنقوصة والمبتسرة من سياقاتها الطبيعية، تشير بما لا يحمل الشك الى ان التحريض لغة قائمة، مستترة، تنمّي نزعة الخوف الموثقة شكلاً بأرقام تفتقر إلى ما يليها من أحكام قضائية. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024