حزب الإستقلال البريطاني.. أو كيف يصنع الإعلام وحشاً؟

شادي لويس

الجمعة 2016/12/09
بعد إعلان نتيجة الإستفتاء البريطاني على عضوية الإتحاد الأوروبي، أعلن نيجل فاراج، استقالته من منصب زعامة حزب الإستقلال البريطاني، مصرحاً بأنه حان الوقت له ليرتاح بعد تحقيقه لطموحه السياسي.

لكن وبالرغم من أن نتيجة الاستفتاء، واستقالة فاراج، نظر لها كنهاية للحزب الذي فقد مبرر وجوده الوحيد، أي الاستقلال عن أوروبا، وإيذاناً بتحول الإهتمام الإعلامي عنه، إلا أن فاراج وحزبه سرعان ما عادوا لتصدر عناوين الأخبار مرة أخرى. فتصريح ديانا جميس، التي فازت بمنصب زعامة الحزب في سبتمبر (ايلول) الماضي، خلفاً لفاراج، والذي اعتبرت فيه بوتين بطلاً سياسياً ومثالاً أعلى لها، اجتذبت تغطية إعلامية واسعة. ولاحقاً وبعد إستقالتها من المنصب بعد 18 يوم فقط، تحولت خلافات الحزب والجولة اللاحقة من انتخاباته الداخلية موضوعاً غنياً لوسائل الإعلام البريطانية الشبقة للدراما السياسية والتصريحات المثيرة للجدل. 

أما فاراج، فبعد زيارته الأخيرة للولايات المتحدة، ولقائه بترامب لتهنئته بالفوز بالإنتخابات الأميركية، فقد عاد مرة أخرى لموقع النجم الأول للكوميديا السياسية في وسائل الإعلام البريطانية، وخاصة بعد مطالبته بمنصب السفير البريطاني للولايات المتحدة. 

يبدو الإهتمام الإعلامي الكثيف بحزب الاستقلال، وزعيمه السابق، مفهوماً وربما مبرراً في ضوء صعود اليمين القومي في الغرب، وانتصاراته السياسية المتوالية على جانبي الأطلنطي. لكن إلى أي حد ساهمت الميديا تحديداً في صعود شعبية حزب الإستقلال البريطاني؟

في نوفمبر 2103، نشرت مجلة "نيو ستيتسمان" البريطانية تقريراً بعنوان "ما حجم التغطية الإعلامية التي يحصل عليها حزب الإستقلال البريطاني؟"، والذي كشف عن أن الحزب ذي السجل السياسي شديد التواضع، والممثل بعضو واحد في مجلس العموم حينها، حظي بتغطية إعلامية إستثنائية تاريخياً مقارنة بأي حزب بريطاني غير رئيسي. توصل  التقرير إلى  أن عدد الإشارات للحزب وقياداته في وسائل الإعلام المقروءة والمرئية، بين عامي 2003  و2013، قد تضاعفت بشكل متوالٍ ومستمر بمعدلات تسارع غير مسبوقة على الإطلاق، وبشكل لا يتناسب مع معدلات تزايد شعبية الحزب أو نجاحاته الانتخابية، ولا يقارن بأي من الأحزب البريطانية بما فيها حزبي المحافظين والعمال.

في أبريل (نيسان) من العام التالي، أصدر معهد "العلاقات العرقية" البريطاني، تقريراً بعنوان: "هل تشرعن الميديا حزب الإستقلال البريطاني؟"، والذي لم يكتفِ بتحليل معدلات التغطية الإعلامية كمياً، بل قام بتحليل كيفي لخطاب وسائل الإعلام المرئية المستقلة، مثل "بي بي سي"، عن الحزب، وتباريها في اتاحة منابر لقياداته، عبر استضافتهم في برامجها والمناظرات السياسية التلفزيونية. 

يخلص التقرير إلي أن الإعلام المستقل مسؤول عن منح خطاب الحزب العنصري شرعية وقبولاً جماهيرياً، حتى في الفترة التي لم يكن لديه أي تمثيل برلماني على الإطلاق. 

لاحقاً، وفي مارس (آذار) الماضي، نشر دكتور العلوم السياسية، جستين ميرفي مع الباحث دانيال ديفين، بحثاً احصائياً مطولاً عن العلاقة بين معدلات التغطية الإعلامية لحزب الإستقلال مقارنة بقاعدته الإنتخابية وجماهيرية، لم يؤكد فقط أن الاهتمام الإعلامي لم يكن إنعكاساً لشعبية الحزب أو متناسباً معها، بل توصل أيضاً لعلاقة سببية عكسية، تنسب صعود جماهيرية الحزب حصراً، للتغطية الإعلامية الإستثنائية التي نالها. 

وبغض النظر عن مدى مصداقية نتائج الدراسة التي تحمل الإعلام وحده اللوم على صعود اليمين البريطاني، إلا أن وسائل الإعلام البريطانية تبدو، بلا شك، قد لعبت دوراً جوهرياً في الترويج للحزب وشرعنة خطابه مدفوعة بخليط متناقض من الاهداف. ففي الوقت التي أبدت الصحف البريطانية ذات التوجه اليميني تعاطفاً تجاه خطاب الحزب المعادي للأجانب والهجرة، فان وسائل الإعلام المستقلة والخفيفة، وجدت في أخبار الحزب وفاراج تحديداً مادة غنية للكوميديا والدراما في آن واحد، وموضوعات كفيلة بإثارة الجدل وتحقيق معدلات متابعة عالية من الجمهور. 

أما فيما يخصّ الصحافة اليسارية، فإن نقضها الحاد والكثيف لخطاب الحزب، وسخرتيها المتواصلة من فاراج، والتهويل من أخطار الصعود اليميني، والمبالغة في تقدير شعبيته، ساهم في إتاحة حضور دائم وظاهر للحزب على الساحة الإعلامية طوال الوقت، ورسم صورة كاريكاتيرية محببة لزعيمه ساهمت في ترويج صورته عن نفسه بوصفه ممثلاً لرجل الشارع، ومنحت الحزب فرصة وراء الأخرى لاثبات إدعاءاته بعدم حياد الإعلام تجاهه، واكتساب تعاطف قطاعات الناخبين التي تراجعت ثقتها في المؤسسات السياسية والثقافية، لتتحول النبؤة ذاتية التحقق عن "الوحش اليميني الصاعد" التي ساهمت في صناعتها الميديا البريطانية، عن دون قصد، إلى واقع يبدو الإعلام عازماً على تضخيمه وتكثيفه مرة أخرى.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024