منال ابتسام.. اختبار علمانية فرنسا

حسن مراد

الإثنين 2018/02/12
تمثل قضية منال ابتسام، المشتركة السابقة في "ذا فويس" الفرنسي، امتحاناً جديداً خاضه المجتمع الفرنسي، وعكس مجدداً الانقسام والجدل حول قيمه ومفاهيمه، لا سيما علمانية فرنسا بتأويلاتها الكثيرة.
فمنال لم تلفت الأنظار بصوتها وأدائها. شكلها الخارجي رسم الانطباعات عنها، كونها تقدمت للبرنامج وهي ترتدي حجاباً. علماً ان صوتها سحر لجنة التحكيم، حيث استدار الأعضاء الأربعة ليتعرفوا الى الفتاة التي أدت بالإنكليزية أغنية "هللويا" لليونارد كوهين ومزجتها بأغنية "يا إلهي" العربية. أرادت المتسابقة ذات الأصول السورية أن تحمل مشاركتها على هذا النحو عنواناً للحب والتسامح.

والحال انه منذ ظهورها على شاشة TF1، أثار حجابها بلبلة في مواقع التواصل الاجتماعي، فنُبِشت لها تغريدتان فجّرتا جدلاً فرنسياً دام أياماً، وما زال مستمراً. التغريدة الأولى كتبتها بعد هجوم نيس في تموز/يوليو 2016، وفيها سخرية من فكرة أن تعثر الشرطة بعد كل اعتداء على بطاقة هوية منفذ الهجوم، معتبرة أن في الرواية الرسمية استغباء للرأي العام. اما التغريدة الثانية، فأتت بعد ذبح الكاهن جاك آميل في تموز/يوليو 2016، واعتبرت فيها منال أن الحكومة الفرنسية تجسد الوجه الحقيقي للإرهاب.
اعتذار منال عن هذه التغريدات وتوضيحها بأنها تنم عن قلة نضج تجاوزتها اليوم، لم يشفع لها لا في مواقع التواصل الاجتماعي ولا في الإعلام ولا لدى جمعيات أهالي الضحايا، فانسحبت من البرنامج بعدما وجدت نفسها مادة للانقسام، لا للوحدة، كما كانت تبتغي. 

ومن الواجب التذكير بأن مشاركة ألين لحود وهبة طوجي في البرنامج نفسه، حيث غنتا بالعربية، لم تُثر تلك البلبلة، بل حولتهما إلى نموذجين للموسيقى كلغة عالمية مشتركة بين الشعوب.

صحيحٌ أن المسألة أخذت مداها بعد نشر التغريدات، إلا أن البلبلة كانت قد بدأت مع ظهور منال بالحجاب. اعتُبِر حجابها انتقاصاً من علمانية الدولة الفرنسية وتسويقاً للتطرف، من دون أن يستفز أحداً، مثلاً، صليب المغني الراحل جوني هاليداي، أو دخول نائبين فرنسيين إلى مبنى الجمعية الوطنية مرتديَين الكيباه اليهودية. لو أن الراهبة الايطالية كريستينا شاركت في البرنامج بنسخته الفرنسية، هل كانت ستثير مشاركتها هذا الاستهجان؟

والحال أن تبني منال لنظرية المؤامرة، أخذ بدوره حيزاً واسعاً من النقاشات الإعلامية، إذ طولبت بمغادرة فرنسا، واعتُبرت نموذجاً لنبذ الآخر والعيش المشترك. 

من دون شك، حجاب المشتركة هو ما سمح للتيار الغاضب بالذهاب إلى حد المطالبة بطرد فرنسية من بلدها الذي تحمل جنسيته. وإذا تجاهلنا الأرقام التي تشير إلى أن 79% من الفرنسيين يتبنون على الأقل رواية واحدة من روايات المؤامرة (أبولو 11، أحداث 11 سبتمبر، الربيع العربي ...)، فإن كلام منتقدي منال، يدل على عيشهم في عزلة عن محيطهم. ألم يصادفوا فرنسيين شككوا بدورهم في روايات الشرطة الرسمية مستندين إلى الحجج نفسها؟ تشكيك لم يستثنِ أكثر الأحداث تراجيدية مثل "شارلي إيبدو" أو أحداث 13 نوفمبر.

لو افترضنا أن منال تقدمت إلى المسابقة كاشفة شعرَها، فهل كان ليخطر في بال أحدهم أن يذهب للتنقيب عن ماضيها؟ وأساساً، وعملاً بمبدأ تكافؤ الفرص، لماذا لا يتم التأكد من خلفيات كل من المشتركين استنادا إلى رقم الـ79% المذكور آنفاً؟  


لم ير الاسلاموفوبيون في حجاب منال معتقداً دينياً يكفله لها قانون العام 1905، بل أصروا على أن مظهر المشاركة الخارجي يدل على هوية سياسية. افترضوا أن منال تروّج للتطرف، بل صدقوا افتراضهم هذا وتعاطوا معه على أنه حقيقة مطلقة، حتى أنهم لم يكلفوا أنفسهم معرفة ما أضحت عليه قناعات منال الشخصية ولا السياق الذي كُتبت فيه التغريدات. كما لم يأخذ هؤلاء بعين الاعتبار أن وسائل التواصل الاجتماعي هي فضاء مفتوح يُتداول فيه ما يمكن لنا سماعه يومياً في المقاهي وأماكن العمل والنقل العام... فلا تجعل من منال صانعة رأي؛ بل صورة نمطية مزروعة في أذهانهم.
وبغض النظر عن موقف محطة TF1 من المسألة، يبقى أن انسحاب منال يتناقض مع مبدأ البرنامج. فالفكرة من "ذا فويس" هي أن تحكم اللجنة على صوت المتسابق(ة) أولاً، أي ألا تتأثر اللجنة بالمظهر الخارجي، أياً كان. لكن مظهر منال طغى على صوتها في برنامج "الصوت".  
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024