إنفصال بريطانيا.. وانفصام الاعلام المصري

أحمد ندا

السبت 2016/06/25
لم تكن مصر خارج الاهتمام الإعلامي العالمي باستفتاء انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي. وسائل إعلامها، كما أهم وكالات الأنباء والصحف والمواقع الإخبارية في العالم، سارعت للتغطية ومحاولات تحليل الوضع سياسياً واقتصاديا.. 


لكن الصوت المصري، إما كان متسرعاً، مثل جريدة "المساء" التي أصدرت نتيجة تخصها وحدها، وإما مؤيداً لليمين البريطاني ذي النزعة الشوفينية المتعصبة. في بريطانيا، ربما تكون هناك نسخ عديدة من دونالد ترامب صعدت الى صدارة المشهد السياسي واستطاعت أن تقود أعرق الديموقراطيات في العالم إلى هاويتها اليمينية.. أما في مصر، فمواكبون تابعون، لا يعرفون من التداعيات، إلا ما يلاقي الاهواء المصرية العارفة بالتحليل!

خرجت الطبعة الأولى من جريدة "المساء" أمس الجمعة بنتيجة تخصها وحدها، وهي أن "البريطانيين اختاروا البقاء مع أوروبا".. ولا يعلم أحد من أين جاءت الجريدة العريقة بهذه النتيجة قبل إعلانها الرسمي، خصوصاً أن اللجان الانتخابية غير مكتنزة برجال الداخلية المصريين الخبراء في تدبيج النتائج الانتخابية.

غير أن خيبة "المساء" في الإسراع بإعلان نتيجة، لم تكن أكبر المشكلات. فمع إعلامي النظام الأول أحمد موسى، كان الدليل القاطع على أن الاعلام المصري، لا ينوي الخروج من آفاق محدودة، مرتبطة بمساحة عقله العامل على الموجة المصرية فقط. إذ هاجم موسى بريطانيا التي قررت التراجع عن استئناف الرحلات السياحة إلى مدينة شرم الشيخ ورحلاتها الشتوية، وقال "إن تلك الدولة لا تريد أن تقوم مصر مرة أخرى، على الرغم من أن بريطانيا تعاني من الكثير من الأزمات التي تتغافل عنها وتركز على مصر".
هذه هي الصورة التي يحاول النظام تكريسها حول علاقة مصر بالانفصال.

البقية الباقية من مناصري السيسي في مصر وعلى مواقع الواصل الاجتماعي، أكملوا ألعابهم الخيالية في تأكيد أن ما حدث هو "خطة مخابراتية جهنمية" من جهاز المخابرات العامة وعبدالفتاح السيسي ضد بريطانيا التي تقف لمصر بالمرصاد في المحافل الدولية، غير أن هذا الجنون لم يعد له أثره وصداه مثلما كان في السنين الماضية.. ذلك ان مناصري السيسي يقلّون، ومعهم يقل جنونهم وتأثيره العام.

الإعلامي يسري فودة كتب في صفحته الشخصية في "فايسبوك": الدونالدترامبية تفوز في بريطانيا بمساعدة روبرت ميردوخ.. أيام سوووودة"! فيما غردت الإعلامية ليليان داوود: "لا بد من احترام إرادة الشعوب، واليوم تستعد المؤسسات البريطانية لتحقيق إرادة شعبها حتى لو كان الثمن عاليًا، الديموقراطية هي الحل".

هاشتاغ #بريطانيا، تصدر التغريدات العربية عامة والمصرية بوجه خاص، وتضمن العديد من التساؤلات والمخاوف أكثر من المعلومات حول ما حدث ويحدث في بريطانيا. لكن ذلك، ينطوي على نكات أو تحليلات من نسخ خيال عقل مبرمج على تحويل الانظار المرتبطة بالاحداث العالمية الى التداعيات المصرية والانعكاسات المحلية الضيقة.

وخلافاً لذلك، بدا لافتاً في التغطية الصحافية المصرية تبنيها للادعاءات اليمينية الانفصالية، كما في تغطية "اليوم السابع" المليئة بالمغالطات والبروباغندا المضللة، وسط غياب أي تحليل عقلاني حقيقي ملموس حول ما حدث ويحدث في بريطانيا. فالصحف تذهب إلى أن الانفصال سيؤثر اقتصادياً في مصر، مثل سعر العملات الأجنبية والذهب والعقارات، من دون أن يخرج تحليل منطقي واحد ليقول ما هي العلاقة بين الحدث الأوروبي الكبير وبين الوضع الاقتصادي المصري.

تخرج الصحف بأخبار عن "خطورة الوضع" وعن تهديد الاقتصاد، وعن بداية الانهيار الأوروبي، من غير أن تُرفق بأي دليل عن هذه النتائج المفزعة التي سيتم الوصول إليها، وعلى القراء غير المحيطين بما يحدث أن يستنتجوا النهاية الأبوكاليبسية من الصراخ الصحافي. أما راهن الوضع وحقيقته، فهو حكر على الصحافة الأجنبية التي ننتظر جهدها.. لنفهم.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024