جردة 2016: صفر الواقعات والتوقعات

روجيه عوطة

الجمعة 2016/12/30
عودنا الإعلام، على اختلاف أنماطه، ان يقدم، وفي الأيام الاخيرة من كل عام، على نشر ما يسميه "الجردة"، التي يتناول فيها، وبالتفضيل والتلخيص، اهم الأحداث التي وقعت على طول الأشهر السابقة. 
تشرع التلفزيونات، والصحف، والراديوهات في تعداد الواقعات، واسترجاع مجرياتها، كما انها، وفي الغالب من الأحيان، تتدرج فيها بالانطلاق من تقسيم زمنها، او من تقييم اثرها، قبل ان تختم جمعها بموجز، تشير به الى معناها العام. 

على ان فعل الاعلام هذا يبدو كأنه يضع الواقعات المجرودة في سياق خبري، غايته اعلان أفولها او نهايتها، وبالتالي، وبحسب منطقه، يصير من المتاح الاستعداد لاستقبال غيرها. فلا يمكن له ان يتلقى واقعات اخرى في حال لم يتحرر من الواقعات القديمة، او بالأحرى، يتطهر منها، فيضحى نقياً، في انتظار حصاده الآتي. اذ يرجع عداده، الذي يسجلها ويقيسها، الى الصفر، الذي ينظر اليه على اساس انه رقم فراغه منها، والذي يتوق الى ملئه.

ومهما كان عدد الواقعات التي مضت، فهي، وبعد ضمها الى بعضها البعض في خط كرونولوجي، لا تصل سوى الى الصفر، كأنها حدثت قبله، ولم تنتج بحدوثها سواه. وهكذا، تجري الواقعات خلف الصفر، وتحصل، في آخرها. عليه، كأنها مجموعة من الأرقام السالبة، التي لا تصير موجبة، لأنها لا تجتازه، بل أقصى ما بمقدورها ان توجده هو الصفر اياه.

في النتيجة، حين "يصفر" الاعلام عداده من الواقعات، مترقباً غيرها، فهذا يدل على آلية تعامله معها، بحيث انها، وبالاستناد الى منطقه، وأكانت قديمة أو قادمة، لا تحدث بعد الصفر، بل وراءه دائماً، مما يجعلها سريعة الانطفاء والتوقف. ولأنها لا تتعدى الصفر، من السانح مراكمتها خلفه، وجعلها على طفرة. وبذلك، لن تذهب الا الى كسادها، الذي لا يفيد بانعدام رواجها، لكنه، يفيد بكونها، ومهما كثر حدوثها، سينقلب عاجلاً أم آجلاً الى ضده، الى نفيه، فلأنها تقع، هي لا تقع.

يجرد الاعلام واقعاته، ويوصلها الى الصفر. يتمم حدوثها بعكسه، بلا-حدوثها، وفي هذا المجال، يميط اللثام عن طريقة تفاعله معها: يحصيها كي يقصيها، ينزع وقوعها، فتصير عزلاء، تخفت، وتموت. فهو لا يخبر عنها سوى كأنه يضربها بصفرها، الذي يمتصها، ويلغيها، ويصير حاجزاً أمامها، أمام تحولها الى واقعات موجبة.

كل الواقعات تحدث قبل الصفر، يقول الاعلام عبر جردها. اما الواقعات، التي ستحدث بعد ذلك الصفر، فلها اسم بعينه، وتتولى ثلة من الأشخاص الإخبار عنها. اذ يفتح الاعلام نطاقه للمنجمين، للمتكهنين، الذين يطلون، ليلة رأس السنة، على الجمهور، منبئين اياه بتوقعاتهم. على هذا النحو، الواقعات، التي تحدث بعد الصفر، وعلى طول عام بأكمله، هي مجرد توقعات تتحقق، وفي نهاية عامها، يجري جردها، من اجل التخلص منها، واتاحة مكانها لغيرها.

يقرن الاعلام الجردة بالتكهن. عبر الاولى، يزيل الواقعات الماضية، وعبر الثاني، يحول الواقعات المقبلة الى توقعات. فالعام 2017، لن يشهد واقعات، بل توقعات، وهي سرعان ما ستتوالى خلاله، وتبلغ صفرها في نهايته: التوقع هو أصل او مرجع الواقعة، تحدث فيتحقق، ولما يتحقق، تموت.

عندما يستضيف الاعلام منجميه في لحظة الصفر، في ليلة رأس السنة، فذلك، لكي يجعلهم يسيطروا على المقبل من الواقعات، التي تستحيل نبؤات تتحقق، وهذا، ما يعينه لاحقاً على جردها، على "تصفير" عداده منها. 

الجردة تثبت ان الواقعات الماضية كانت توقعات تحققت وانتهت، والتكهن يثبت ان الواقعات المقبلة هي بمثابة توقعات تتحقق، وهذا، ما يكفل وصولها الى الصفر من جديد. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024