وحدنا مع باسم يوسف

جهينة خالدية

السبت 2013/07/13
 كان باسم يوسف وحده في برنامج "أنا والعسل" مساء الخميس، مع حضور بين الفينة والأخرى لمقدمه نيشان، ليسأل أسئلة في غير محلها. وفي الواقع، ما كان الرجل يحتاج إلى أي أسئلة، ليسرد أفكاره المرتبة، الممنهجة والدقيقة.
يمكن للحديث أن يطول عن هوية المقدم، الذي بدا غارقاً في حضوره الكليشيه، وابتساماته غير المبتسمة لفكاهة باسم التي لا تضاهى، وفي جلسته المصطنعة مقيدة ببذلته الخانقة. إنما في الواقع، الهوة بين الضيف والمضيف أعمق بكثير من الشكل الخارجي، وخفة حضور أحدهما مقابل ثقل الآخر. الإختلاف الأساسي كان في مستوى مضمون ما قيل في الحلقة على الطاولة بين الإثنين. ويصعب وصف ما دار في "أنا والعسل" على أنه حوار بين طرفين. ما سمعناه مساء الخميس، كان سيلاً من الآراء الإنسانية، السياسية العميقة والمنطقية والتي راحت تنهمر على المضيف، من دون أن يفقهها، ومن دون أي قدرة على تلقفها أو مناقشتها.
 
في "أنا والعسل" شاهدنا وسمعنا باسم يوسف، وباسم يوسف وحده، وهي فرصة لا يمكن إلا أن نشكر البرنامج على إفساحها لنا، وإن كان الضيف يستحق حواراً شيقاً أكثر بكثير. إلا انها تبقى فرصة أن نستمع إلى رجل هدفه الأساسي هو زيادة الاهتمام بالسياسة إنما بالطريقة مختلفة، وهو تحقق بنظر الملايين عندما عزل المصريون الرئيس محمد مرسي.
 
بغض النظر عن التفاوت بين مستويي ركني الحلقة، فإن يوسف رسم الخميس تعريفاً مغايراً للإعلامي في العالم العربي. دماثة الرجل، وتواضعه، وكاريزماه ودهاؤه.. يمكن أن يقزم أسطولاً من الإعلاميين الذين لم يحققوا نصف شهرة يوسف ويتخطونه بغرور غير محتمل. أما هو الذي ينتظره 30 مليون مشاهد كل أسبوع، فبدا راضياً ببضعة ملايين. بل حين قال له نيشان إن الكل يتكلم عنك، بمن فيهم محمد حسنين هيكل.. رد يوسف: "هم بيتكلموا لأننا شيء جديد، بكرا يخف الإهتمام، المهم الإستمرار".
 
وفي حين تساءل المقدم عن عدم "استغلاله" اللحظة الحامية في مصر وبث حلقة ستزيد من نجوميته (وإن كان نيشان وضع سؤاله في قالب الواجب المهني الذي يفرض على إعلامي كباسم أن يخاطب الناس)، وضع يوسف جانباً كل شهرته وكرر أكثر من مرة: "أنا إنسان بالدرجة الأولى، ولم أجد الوقت مناسباً للسخرية، حتى لو كنا نحتفل بعزل مرسي، ما كان ممكناً غض النظر عن الدماء المهدورة".
 
في أكثر من مناسبة، لم يتوان يوسف عن التدقيق في توصيفات نيشان لأحداث أو أمور معينة. كأن يعترض يوسف على إغلاق القنوات الدينية، فيرد نيشان بأنه "إقصاء"، ويدقق يوسف: "هم مش لازم يختفوا بأي طريقة، سنتكلم لاحقاً إن كان هذا يعتبر إقصاء أم لا". رسم الخط الدقيق الفاصل بين الإسلام والإسلام السياسي، وقدرة الإسلاميين على توظيف الإسلام لتشويه سمعة وموقع حياة من يعادونهم، أو يرفضونهم، بل وقدرتهم على هدر دمهم.
 
وفي ظل الأحداث الحامية في مصر منذ 30 يونيو حتى اليوم، وما رافق ذلك من تهييج إعلامي من كل الأطراف، ما كان متوقعاً من باسم أن ينتقد الإعلام الذي يُعتبر أنه ينتمي إليه، أي الإعلام الليبرالي الخاص، لا سيما فيما تتوجه الأنظار إلى القنوات الدينية التحريضية وتهلل فرحاً لإقفالها. أطل يوسف ليقول بعلانية وبجدية "هناك تحريض وعدم مهنية في القنوات الخاصة"، رافضاً تحويل ما اعتبره البعض انتصاراً على طرف سياسي، إلى "شماتة وعنصرية مقيتة غير مبررة". استطاع يوسف أن يميز نفسه من بين صف من نخبة الإعلاميين المصريين الذين غرقوا في الأيام الأخيرة في خطاب تحريضي، هائج، تمييزي لم تشهده مصر من قبل، وها هو يخرج عن إعلاميين لهم "وزنهم" في الشارع المصري وتأثيرهم كبير عليه.
 
أما الحس الإنساني والسياسي لباسم يوسف فتجلى تماماً في رفضه قلب الأدوار بين طرفي الأزمة في مصر، ورفضه ممارسة الإعلام الإقصاء والتعالي على الإسلاميين كما كان هؤلاء الأخيرون يفعلون في حقهم منذ فترة قصيرة جداً.
 
الرجل الذكي، صاحب الأجوبة البسيطة لم يسقط في الكليشيه الإعلامي الذي يغازل شعب البلد المضيف، فعلى الرغم من تعبيره عن حب لبنان وشعبه، إلا أنه لم يغازل "صمودنا" ورغبتنا الدائمة في الحياة كما يفعل الجميع، بل كرر "أنا مبهور باكمالكم الحياة بعد إنفجار، بس أنا مش عايز ده يحصل عندنا. مش عايز الموت يبقى شيء عادي نبلعه".
 
كُتب الكثير عن باسم يوسف، وسيُكتب أكثر عن رجل يستحق أن نندهش أمام عفويته بالدرجة الأولى. وبعد الحلقة الحوارية المباشرة الأولى له، بتنا مطئنين أنه في حال عدم استمرارية برنامجه بأسلوب ساخر، فنحن ننتظر يوسف في برنامج "جدّي"، سياسي، إجتماعي لن يكون أقل جماهيرية من برنامجه الناقد اللاذع.

kj-(1).png
 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024