صحافي "الجزيرة" محمود حسين يواجه لائحة الاتهامات الجاهزة

أحمد ندا

الثلاثاء 2016/12/27
لا يحتاج المتابع لبرنامج أحمد موسى، أكثر من ثوان، حتى يعرف أن ما "اعترف" به الزميل محمود حسين، مسؤول شبكة المراسلين في قناة "الجزيرة"، لم يكن اعترافاً بالمعنى القانوني للكلمة، بل هو "رأي" شخصي في عمل أثار لغطاً كثيراً في الفترة الماضية.
نظرات التوجس على وجهه، غير خافية لأي مشاهد محايد، خصوصاً وهو في إحدى مقرات أمن الدولة، بيت الرعب الذي يخشاه الجميع ويتجنبون احتمالات الدخول إليه لأن ذلك في أيسر مساراته وأخفها، حكم بالحبس لأجل غير مسمى، مع عُدّة الاتهامات المعلومة للجميع مما يمسّ "الأمن القومي".

وهو ما كان، بعد إلقاء القبض عليه يوم الأحد الماضي. يواجه محمود اليوم حبساً على ذمة التحقيقات لخمسة عشر يوماً قابلة للتجديد. أما الاتهامات فكما هو متوقع، هي إشاعة وبث أخبار كاذبة، والتحريض على العنف ضد مؤسسات الدولة، والتصوير بلا ترخيص، والعمل على تعطيل مؤسسات الدولة، والانضمام إلى جماعة أُسست خلافاً للقانون، والتحريض ضد الجيش والشرطة. وقد اتَّهمت شبكة "الجزيرة" في بيان السلطات في مصر "بانتزاع اعترافات" من محمود حسين، ونشرها، "بمعزل عن الضمانات القانونية التي تكفل له التحدث بكامل إرادته، ودونما أي ترويع له أو لأفراد أسرته".
وضُمت لأوراق القضية "مضبوطات" تمثلت في آلاف من شرائط الفيديو وأعداد كبيرة من معدات التصوير وأجهزة الإضاءة والمونتاج ووحدات الذاكرة الخارجية والأسطوانات المدمجة التي يستخدمها في تحركاته.

التحقيقات، -حتى الآن- "أفادت" بأن التنظيم الدولي لجماعة "الإخوان"، قام "بتكليف المتهم بالتنسيق مع عناصر أجنبية ومصرية داخل وخارج البلاد لاستخدام مواد مصورة عقب القيام بأعمال المونتاج لها في الإضرار بالأمن الداخلي للبلاد والقيام بإجراء أعمال المونتاج والبث المباشر للأخبار التي تضر بالأمن الداخلي للبلاد، متخذاً من شقة أحد أشقائه مقراً غير رسمي لعمله. على حد تصريحات النيابة".

رئيس قسم البحوث في مركز الجزيرة قال في مداخلة هاتفية عبر شاشة تلفزيون "العربي" إن حسين، يزور مصر بشكل معتاد، وأن القناة لن تعترف بالتحقيقات التي تؤخذ منه لأنها تتم تحت ضغط. وذكر أن القناة وكلت محامياً لمحمود حسين، ليحضر معه جلسات التحقيق، وحتى الآن لم يستطع المحامي مقابلته.

الحدث، كان فرصة مواتية للإعلام المصري الموالي للنظام أن يحول هذا الإجراء غير القانوني إلى عدد من "مفاجآت تتفجر" و"اعترافات مثيرة" وغيرها من عناوين البنى الصحافية التي تخدم الخطاب العام للدولة الرافض لوجود إعلاميين ينتمون إلى "الشبكات المعادية" للنظام، على رأسها "الجزيرة" بالطبع. والكلام هنا عن كل إعلام ينتقد النظام بشكل أو بآخر. فصار حسين، بحسب "اليوم السابع" مثلاً، "على تواصل مع جهات شيعية، ويخبئ آلاف الساعات التي صورتها الجزيرة في مصر، وعلى اتصال بالإخوان المسلمين وكل الكيانات الإرهابية التي ترفضها الدولة، بالإضافة إلى إشرافه على عدد من المخططات لإثارة الفتن في مصر"! ويكاد المرء يظن أن الكلام عن عصابة دولية، لا عن صحافي فرد.

كل ما سبق، خطوات متوقعة ومعلومة، وتكررت كثيراً خلال السنوات الثلاث الماضية لمن ثبتت مجرد معارضتهم، وما يحدث مع إسماعيل الإسكندراني ليس ببعيد، فما بالك بكبير مراسلي قناة "الجزيرة" نفسه؟!

غير أن ما يحدث مع حسين هو المصير الذي يخشاه كل المصريين الذين يعملون في جهات إعلامية "معادية" من وجهة نظر النظام الحالي، وهذا ما يمنع مئات الإعلاميين والصحافيين والمنتجين التلفزيونيين من العودة إلى مصر في إجازات اعتيادية، لأنها مغامرة بنسبة كبيرة لن تمر على خير، حيث ستترصد لهم أجهزة الأمن ولائحة الاتهامات جاهزة.

أمثال محمود حسين قطاع كبير يعيش في منافٍ اختيارية، إذ لا حلّ قريباً لعودة هؤلاء إلى بلادهم في المستقبل القريب، مهما كانت الظروف العائلية التي تستوجب وجودهم.

بحسب تقرير اللجنة الدولية لحماية الصحافيين، فإن عدد الصحافيين المحبوسين على مستوى العالم بلغ 259 صحافياً، وتأتي مصر في المركز الثالث فيه بعد تركيا أولاً والصين ثانياً. غير أن مئات الصحافيين والإعلاميين المصريين "محبوسون" في خيالات الدولة المصرية عن المؤامرة، وبالتالي لا يستطيعون أن يخطوا خطوة حرة واحدة في بلادهم، لأن الجميع معرض لمصير محمود حسين.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024