2016: الصحافة الورقية في مصر.. تراجع ما قبل الموت!

أحمد ندا

الخميس 2016/12/29
لا يبدو العام 2016 بخير من سالفه في ما يتعلق بالحريات الصحافية والإعلامية في مصر. ما زال المشهد قاتماً في معظم تفاصيله، بل ازدادت أحداثه المدوية لتتحول وتصير سوابق في التاريخ المصري الحديث: حبس الصحافيين ما زال مستمراً، والتضييق على حركة الإعلاميين كما هي دون تغيير، والتهديد المستمر صار الكابوس الذي يلازم كل صحافي مصري يمكن أن يحبس على إثره لا من عمل صحافي فحسب بل من منشور شخصي في مواقع التواصل الاجتماعي.
ولأول مرة يتم اقتحام مقر نقابة الصحافيين، في سابقة هي الأولى من نوعها؛ لم تحدث حتى أيام الاحتلال الإنكليزي لمصر، ثم في سابقة هي الأولى من نوعها أيضاً، اقتيد نقيب الصحافيين وعضوين من مجلس النقابة المنتخبين إلى ساحات القضاء، بدعوى "تسترهما على مجرمين". خرجت إعلامية من بيتها في ملابس النوم وهي ليليان داوود إلى المطار، بأمر من "جهة سيادية" دون أية مخالفة قانونية. فكانت النتيجة أن مصر تحتل المركز الثالث في عدد الصحافيين المسجونين بعد تركيا والصين في تقرير اللجنة الدولية لحماية الصحافيين.

على صعيد آخر، فالإعلام المرئي يشهد غزارة في عدد قنواته، مقارنة بالأعوام الثلاثة السابقة عليه، خاصة بعد غلق كل قنوات الإخوان والسلفيين دون استثناء. شبكات كاملة جديدة مملوكة لرجال أعمال قريبين من مؤسسات الدولة، أو وسطاء لأموال لجهات بعينها في الدولة، وكلها تعبر عن وجهة نظر واحدة، وخطاب وحيد لا يسمح بوجود غيره على الساحة.

وسط ذلك المشهد الذي يعتبر امتداداً لماعليه الحال في العامين الماضيين، بدأت أزمة جديدة/قديمة تظهر بشكل حيوي على الساحة، وزادت قوتها في الشهور القليلة الماضية بعد ارتفاع الدولار وأزمات الأسعار المتوالية: أزمة الصحافة الورقية.

زيادة أسعار الورق وضعت المؤسسات الصحافية العريقة والعملاقة في مأزق حقيقي أمام جمهورها الباقي، إذ بارتفاع سعر العدد المطبوع، وفي ظل زيادة الأسعار الجنونية الأخيرة، فإنها تضحي بقطاع كبير منهم سوف يستغني عن العدد اليومي من جريدته المعتادة لضرورات أهم، وضع الجميع أياديهم على قلوبهم، إذ رؤوا في الزيادة الجنونية للأسعار "انهياراً للصحافة الورقية" كما صرح رئيس تحرير الوفد لليوم السابع. وجد هؤلاء المسؤولين أن الحل الأنجع بداية هو لقاء رئيس مجلس الوزراء لعرض المشكلة عليه، ثم خرج بعضهم بحل آخر وهو تقليل عدد الصفحات في مقابل الحفاظ على ثبات سعر الجريدة. لكن الحلول المقترحة هي ليست حلولاً بقدر ما هي تحاكي طريقة الدولة في محاولة تسيير الأمور، وهي خطوات تصلح للوقت الراهن، كم صفحة يمكن أن تضحي بها الصحف وتخسرها مع كل أزمة اقتصادية؟

يأتي ذلك في الوقت الذي تراجعت فيه مبيعات الصحف الورقية بالفعل من قبل الأزمة الاقتصادية الكبيرة. "الأهرام" مثلاً وصلت إلى طباعة 150 ألف نسخة، بمرتجع يصل إلى 30%. "الأخبار" 140 ألف نسخة، بمرتجع 25% تقريبا. "المصري اليوم" 100 ألف نسخة بمرتجع 20%، وأخيرا "الشروق"، تطبع 30 ألف نسخة يومياً. هذه الأرقام بحسب مصدر من في حقلي الطباعة والتوزيع لـ"المدن".

بالنظر إلى الأرقام السابقة عن الأزمة، فإن الصحف صارت تغطي قطاعاً شديد الصغر بالنسبة إلى سوق كبير سيحتمل ما هو أوسع من ذلك بكثير، خاصة حين يقارن بعدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي –بحسب تقرير لجنة حماية الصحافيين الدولية لعام 2013- الذي وصل إلى 12 مليون مستخدم تقريبا، أكثر من 60% من هواتف محمولة.

تأتي إذن الأزمة الاقتصادية لتضع الصحافة الورقية في موقف أكثر حرجاً من ذي قبل، فها هي الآن على شفا خسارة البقية الباقية من جمهورها المتبقي، الذي ذهب إلى الإلكتروني وترك الورق. يأتي ذلك أيضاً في الوقت الذي ما زالت نقابة الصحافيين المصرية "تدرس" إمكانية ضم الصحافيين الإلكترونيين إلى مظلتها القانونية! في مفارقة هي الأكثر دلالة إلى طبيعة المشكلة التي تعاني منه الصحافة في مصر عموماً.

لم يسأل القائمون على المؤسسات الصحافية الكبرى والعريقة في مصر، ما هي "السلعة" التي تستطيع الجريدة المطبوعة تقديمه ولا يمكن تقديمه إلكترونياً؟ خاصة وأن هذه الصحف مازالت حريصة على طباعة أخبار يومية لا يأتي وقت طباعتها إلا وقد صارت تاريخاً بالنسبة لمتداولي مواقع التواصل وقد مرت عليها ساعات؟ 

بدأ عام 2016 بحديث مصري موسع عن أزمة الصحافة الورقية خاصة بعد توقف الإصدار الورقي من الإندبندنت، وانتهى بالأزمة وقد طالت الصحافة المصرية بزيادة أسعار جنونية، لكن المسافة واسعة للغاية بين طبيعة الأزمتين. الأولى البريطانية، محاولة لمواكبة جديد يتنبأ الكثيرون بهيمنته، وفي مصر استمساك بقديم وقيمة تاريخية لفكرة الجريدة المطبوعة نفسها، التي "تنقل الأخبار" دون وعي حقيقي بالمتغيرات من حولهم.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024