عماد الدين أديب حاوَر "إرهابي الواحات".. ولعبته انقلبت عليه

أحمد ندا

السبت 2017/11/18
يكفي قياس حجم السخط على حوار عماد الدين اديب مع الإرهابي الموقوف في قضية الواحات، وأدائه، لفهم الخلل المهني في المجال الإعلامي المصري. فإذا كان أديب بالسيرة الذاتية سابقة الذكر، لم يستطع أن يقدم حواراً فيه الحد الأدنى من الانضباط المهني، وهو –من المفترض- ينتمي إلى صفوة الصفوة من الإعلاميين، فلا عجب من وجود أحمد موسى وما يشابهه! ذلك انه واحد ممن يُعتبرون "شيوخ المهنة" الصحافية والإعلامية في مصر، ويعود في برنامج جديد على قناة الحياة باسم "انفراد". 
**

-هل يؤنبك ضميرك ليلاً لأنك قتلت واحداً من بلدك أو من دينك؟
-الرسول قتل أعمامه
-بس دول كانوا كفار!
-بالضبط!

الإعلامي الكبير المثقف صانع الرأي العام، وقع في عدد من الأخطاء في هذه الحوارية الصغيرة. أولاً، صادق على معلومة خاطئة تماماً، فلم يحدث أن قتل النبي من أعمامه بحسب مختلف الروايات التاريخية المتباينة. ثانياً، تبرير أديب –الذي يبدو أنه خرج عفوياً- لسبب التصديق على زعم قتل النبي لأعمامه أنهم كانوا من الكفار، أي أن أديب يقر ضمنياً بالمنطلق التكفيري الذي يدافع عنه الإرهابي تماماً! أي أن أديب تورط برعونة التعالي في التبرير لقتل من يعتبر "كافراً".

كل ذلك حدث لأن أديب ورّط نفسه وتورط في تحويل المقابلة إلى نقاش ثنائي مهلهل، وقد تحول أديب نفسه من محاور صحافي إلى رجل دولة يحاور واحداً من معتقليه، طبعاً من دون الإضافة العنفية الجسدية.

**

-ألا تتأثر حين تقتل شخصاً له أب وأم وأبناء وأصدقاء وعائلة؟
-أنت تنظر للأمر من زاوية واحدة، وهي الزاوية العاطفية.
-ليست زاوية عاطفية، بل إنسانية
-العاطفية هي الإنسانية.
-لا ! ربنا كرم الإنسان بعقله وبضميره، هل رأيت "قرداً" لديه ضمير؟
-الإكرام بالتقوى كما جاء في القرآن.
-الله كرم الإنسان فجعله عاقلاً، والعقل يأتي من التفكير ومن الضمير

مرة أخرى يتورط أديب في تعاليه الواهم، وهو يحاول أن يناقش ضيفه في معتقداته، والتأثير فيه عاطفياً، حتى وجد نفسه مهزوماً أمام منطق متماسك، ومرة أخرى يتخلى أديب عن الحياد الضروري، وتحول الحوار إلى نقاش مقاهي بين طرفين يحاول كل منهما الانتصار على الآخر. حتى لم يعد يملك الحوار بل إنه ربما أثار إعجاب المشاهد بقدرة الضيف على الانتصار لمنطقه دون تورط عاطفي.

**

-أنت طبعاً لديك ما تعتقد الأدلة العقائدية على جواز قتل من قتلت.
-طبعاً، هذا جاء عن علم لا عن جهل بأدلة وأسانيد وفتاوى العلماء.
-المشكلة عندك أنت لا في الكتب
-لذلك ألجأ لمفهوم العلماء
-هل تتخيل أنك أنت الوحيد الذي وصل إلى الحقيقة؟
-"ولكن أكثر الناس لا يعلمون" كما في القرآن، أكثرية الناس لا تصل إلى الحق
-ومن قتلتهم، قتلهم حلال أو حرام؟
-حلال بأدلة شرعية!

تحولت المقابلة مرة أخرى إلى سجال ديني، كان من هزال أديب أن يظهر هو مدافعاً عن نسخته من "الحقيقة" باعتبارها النسخة الوحيدة والأصيلة والفاعلة، فيما الشاب الإرهابي يتحدث عن فهم وتأويل ومنهج أوصله إلى ما هو فيه.

**

-انت عارف لو نزلت بيك الشارع وقلت إنك إرهابي الواحات، الناس هيقطعوك!
-أكيد هيقطعوني، لكننا لا نريد الدنيا
-ما هي الرسالة التي تجب توجيهها للمشاهدين
-أسأل الله الهداية لهم جميعاً

أتاح أديب الفرصة للإرهابي أن يكسب تعاطفاً، أن يظهر أخيراً أنه هو المتعالي والقادر على الاستغناء. الحوار، الذي كان من المفترض أن يكون مصدر معلومات، انفراد كما في اسم البرنامج، تحول في نهاية انتصار للجهادي، بعد سجال ديني مع إعلامي جهول مغرور بثقافة وهمية لم تصمد أمام شاب بسيط بمنطق محكم وإن كان رجعياً.

غاب الإعلام تقريباً عن المقابلة، أو توارى، لصالح الرغبة في انتصار جدلي تافه. تجاهل المشاهدون تفاصيل الواقعة، وتورطوا في لعبة عماد أديب التي انقلبت عليه.. ماذا أراد أديب من هذه المقابلة؟ الانتصار "العقلاني" على الإرهابي؟ أم محاولة هدايته؟ أم تسفيهه أمام المشاهدين؟ ولماذا لم يبذل جهداً أكبر في الإعداد للمقابلة؟
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024