الأربعاء 2015/03/04

آخر تحديث: 21:49 (بيروت)

بدر عيد .. رجلٌ عاديٌ راحَ ضحية طائفته

الأربعاء 2015/03/04
بدر عيد .. رجلٌ عاديٌ راحَ ضحية طائفته
إجراءات أمنية مشددة في عكار (المدن)
increase حجم الخط decrease

 

 

قلة تعرف بدر عيد. رجل لا مهام سياسية له في عائلة آل عيد العلوية. كرس نفسه في الظل شخصاً عادياً، لكنه بقي تحت عباءة شقيقه الأكبر النائب علي عيد، ومناصراً للنظام السوري، في إشارة ضمنية الى خلفية ما سمّي بـ"اغتياله"، بعد ان وجد مقتولاً بمسدسات كاتمة الصوت قرب مفرق بلدة الكويخات المجاورة لقريته.

تخفى بدر في يومياته العكارية، من دون أن يلحظه أحد، أو أن يكون على علاقة متوترة مع احدهم. فلم يسجل في تاريخه أي اشكال مع احد في منطقته. يعرفه فقط جلّاسه في احد المقاهي في حلبا، يرتشف كوب الشاي ويدخن النرجيلة، او حين كان يذهب للتبضع. من دون أي مرافقة. فهو بعيد كل البعد من السياسة وممارستها، رغم انه كان مكبلاً بأرث عائلة تتهم يومياً بارتبطها الوثيق بالنظام السوري، واتهم ابنها الأكبر علي وابنه رفعت بأنهما خططا للتفجيرين "الإرهابيين" اللذين استهدفا مسجدي التقوى والسلام في العام 2013.

رفاق بدر معدودون. يزورهم ويزورنه في قريته الحيصة. يأتون اليه في المناسبات، او حين ينضمون في رحلات متفرقة، فهو كان لا يحب الأضواء او التعاطي معه على أنه من عائلة حزبية. وكان يتنقل بسيارة "هوندا" قديمة الطراز، ويقوم بإيصال بناته الى مكان عملهن في إحدى مدارس المنطقة.

في جبل محسن ايضاً، لا يعرفه كثر. لا يزور المنطقة الا قليلاً. في الأعياد عادة يطل على اقربائه ورفاق العائلة. اكتشفه المقربون جداً من الدائرة الضيقة من آل عيد، ومن رفاق المسؤول السياسي في "الحزب العربي الديموقراطي" رفعت، او القادة الميدانيين في الحزب في أوقات متفرقة. وهو لبعده عن السياسة يكاد لا يعرّف عن نفسه الا نادراً، ويكتفي باسمه الصغير: بدر.

قتل الرجل في ظرف استثنائي برصاص مجهول. توقيت مقتله ليس عابراً، على الأقل في السياسة، ووفقاً لما يجري في الإقليم السوري، وتقارب الملف من التأزم الطائفي، حيث كان من الممكن ان تجر الحادثة عكار وطرابلس معاً الى ما لا تحمد عقباه. لكن، ما يشير اليه ناشطون علويون يعبّر عن تفصيل آخر، ان الموقف لم يذهب الى التأزم، لمعرفة ضمنية وسابقة لدى علويي الشمال بأن المعركة ليست لهم. وهم على شاكلة كثيرين في عكار، لم يعودوا يطيقون محاولات التآمر عليهم وعلى المنطقة والاشتغال على الوتر المذهبي لم يعد ممكناً، سيمّا أن الجوار السني – العلوي له تاريخ طويل من المصاهرة والتبادل التجاري.

ويؤكد ناشط علوي، رفض ذكر اسمه، لـ"المدن" ان "العلويين لم يعودوا متعاطفين جداً مع آل عيد، خصوصاً بعد ان تم توريطهم في ملفات كثيرة استفاد منها النظام السوري وحزب الله واعوانهم، وكان لتصرفات الحزب واتهامه سياسياً على الأقل في تفجيري التقوى والسلام أثر على تعاطيهم مع جوارهم، وهم صاروا على دراية تامة ان اتخاذ جيرانهم أعداء لهم، ومحاولة الخروج من نسيجهم لن تذهب بهم سوى الى التهلكة".

ويرى الناشط ان "علويي الشمال هم اكثر المطالبين ولو مواربة بمحاسبة فريق آل عيد على ممارساته التي اختصرت الطائفة وأقصتها، وكان ما كان اثناء المعارك بين الجبل والتبانة من تنكيل بالعلويين ومنعهم من النزول الى المدينة ومحاصرتهم بشكل او بآخر".

وفي السياق، يقول العضو السياسي في الحزب علي فضة لـ"المدن" ان "توقيت الاغتيال ليس معزولاً عن توقيت الحكم الغيابي بحق رفعت عيد"، موضحاً ان "الاغتيال سياسي بحت، وهو موجه ضد آل عيد، ويستهدفهم شخصياً، ويدل على محاولة لزرع الفتنة بين العلويين وجوارهم السني"، مشيراً الى ان "كلام رفعت اثناء التشييع دليل قاطع على درء الفتنة وفتح يد الحوار، كامتداد لحوار حزب الله – المستقبل، وكثمرة له".

وإذ يؤكد فضة التزام الحزب ومؤيديه ومعهم الطائفة بعدم الانجرار الى أي مخطط مذهبي هدفه زرع الشقاق والتأزم الأمني، شدد على "َضرورة الكشف عن هذا المخطط، الذي تقف وراءه جهة ظلامية متشددة، وهي منتمية الى التنظيمات الإرهابية".

وعلى الرغم من خطورة الحادثة، مرّت ذيولها من دون أي تأثير جانبي. اذ سارعت محافظة عكار بكل مكوناتها السياسية والطائفية، الى استنكار العملية "الإرهابية"، وإظهار أعلى قدر من الانضباط والتعاطف، مع التأكيد على ضرورة كشف الفاعلين والاقتصاص منهم.

الى ذلك، استنكر عضو كتلة "المستقبل" النائب خضر حبيب في اتصال مع "المدن" حادثة إطلاق النار، وقال إن تيار "المستقبل" يرفض رفضاً تاماً هذا القتل العمد، واعتبر ان "هذا الموقف هو مبدئي، ومن أدبيات التيار السياسية"، ومؤكداً التزام العلويين واهل عكار والشمال عموماً بالخطة الأمنية، وبالدولة ومؤسساتها الأمنية الشرعية، من جيش وقوى أمن داخلي".

وفي تفاصيل الحادث، أن عيد (57 عاماً) كان عائداً من المقهى، الذي اعتاد بشكل يومي الجلوس فيه عند مفترق بلدة كوشا، وأثناء وصوله الى بلدة الكويخات لاحظ سيارة تلاحقه وحاولت التضييق عليه، كما قامت بصدمه مرات عديدة قبل ان يقوم أحد العنصرين الموجودين داخلها باطلاق النار مباشرة على رأس المغدور من مسدس كاتم للصوت، الأمر الذي حال دون تمكن أصحاب المنازل المجاورة من ملاحظة الاغتيال.

وتم تشييع بدر في بلدة حكر الضاهري، حيث نقل جثمانه من "مستشفى حلبا الحكومي" الى فيلا علي عيد في حكر الضاهري، حيث ألقت عائلته نظرة الوداع الأخيرة عليه، ثم تم نقل الجثمان عبر نقطة العريضة الى الداخل السوري وتحديداً على بعد مسافة أقل من كيلومتر عن منزله الواقع عند ضفة النهر الكبير الجنوبي، ولكن الاجراءات الأمنية التي يتخذها الجيش اللبناني منذ بداية الأحداث في سوريا، لجهة اغلاق المعبر، دفعت بالمشيعين الى العبور رسمياً عبر معبر العريضة، حيث أقيمت الصلاة على الجثمان في مقام الشيخ عبدالله الضاهري، بمشاركة شقيقه علي وزوجته وبناته المقيمين في سوريا، ووري الثرى في جبانة البلدة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها