الأربعاء 2015/09/02

آخر تحديث: 13:56 (بيروت)

وجبات "كنتاكي" في وسط بيروت!

الأربعاء 2015/09/02
وجبات "كنتاكي" في وسط بيروت!
الهوة تتسع بين الشارع والطبقة السياسية (ريشار سمور)
increase حجم الخط decrease
في ركن من أركان ساحات رياض الصلح والشهداء والوسط التجاري، كانت دراجات نارية تابعة لسلسة مطاعم "كنتاكي" ترفد المتظاهرين الغاضبين ببعض من التمويل الغذائي، لإستكمال حراكهم ضد النظام السياسي والطبقة السياسية.

ما تقدم كان ينقص روايات بعض السياسيين من 8 و14 آذار لتوصيف ماجرى، اقتباساً من السيناريو المصري، بعدما لجأوا الى أسلوب شيطنة ما يحصل، ووضعه في سياق مخابراتي - دولي، طمعاً في تحقيق الإنهيار المطلوب، وعودة الأمور الى نصابها، بعدما فشل كثر في استثمار الحراك المطلبي الذي حقق بدوره نجاحاً في سياق وضع الطبقة السياسية في خانة واحدة تحت شعار "كلن يعني كلن".

في شكل ما يحصل قد يصح توجيه النقد، ووضع علامات استفهام حول الجهات المحركة، كل ذلك يبدو منطقياً في الشق السياسي، خصوصاً أن قادة التحرك وقعوا في أكثر من مطب سياسي عن قصد أو حسن نية، لكن وضع 95% ممن خرج الى الشارع ضارباً بعرض الحائط كل الطروحات الطائفية، يعكس بالضرورة الهوة بين الشارع والطبقة السياسية والإعلامية على حد سواء، وعدم قدرتها على فهمه.

منذ أن خرج بعض الشبان اعتراضاً على أزمة النفايات، تعاطى أكثر من سياسي بغنج واضح وكأن الإعتراض يطاوله شخصياً، هكذا حصل مع حادثة الإعتداء على موكب وزير الشؤون الإجتماعية رشيد درباس، ولاحقاً مع وزير البيئة محمد المشنوق، خصوصاً أنهما وبلا شك قد يكونان الأقل تورطاً والحلقة الأضعف في هذه الطبقة السياسية، لكن ذلك لا يلغي أنهما وزراء في الحكومة التي تتحمل مجتمعة مسؤولية ما آلت اليه الأوضاع، بالتكافل مع الطبقة السياسية برمتها التي إختارت مؤخراً خيار التعالي رافعة دعاوى قضائية ضد أي مواطن يتهمها أو يحاسبها!

عليه يبدو سيناريو شيطنة "الحراك"، ووضعه في خانة الإجندات الدولية والإقليمية، سيناريو مكرراً لخطاب السلطة في مصر وسوريا وتونس، التي استعملت الإتهامات ذاتها لصبغ المحتجين بصبغة العمالة والمخابرات، لكن ما لم يلحظه مدّعو هذا السيناريو أن ذلك ارتد حكراً على الطبقة السياسية، وليس على المتظاهرين في هذه الدول.

بالأمس بدا المشهد على حاله. شباب بغض النظر عن ارتباطات بعضهم، إن صحت أم لا، بدا أنهم قادرون على ابتداع أساليب جديدة في الإحتجاج، لحظها كثر في الأروقة السياسية، وأشادوا بها سراً وبعضهم علناً. هذه الأساليب تبدو للمراقبين طبيعية، وإن حصلت للمرة الأولى في لبنان، لكنها بالنسبة إلى هؤلاء الشباب عادية، خصوصاً أنها تحصل في دول عديدة، وقادرة على تحقيق الأهداف المرادة. وبدا الشباب انهم أكثر اطلاعاً وقدرة من الطبقة السياسية في هذا المضمار.

سجل الحراك، بالأمس، هدفاً في مرمى الحكومة. هدف قد يُناقش في قانونيته، لكن من يتابع تحركات كثر من الناشطين في إطار الحراك، يدرك أنها ليست المرة الأولى، بل سبقها أكثر من أسلوب احتجاجي ذكي، في الفترة الماضية منذ إندلاع الربيع العربي، وتحديداً منذ التمديد الأول للمجلس النيابي.

وعليه، ونظراً الى دهاء خطوة الإعتصام السلمي في وزارة البيئة، وعدم قدرة الطبقة السياسية على الفهم بأن هؤلاء قادرون على الإبتكار، اختار البعض وضع الحراك في خانة العمل المخابراتي – الدولي – الإقليمي، وهو السيناريو الذي روجت له جبهات 8 و14 آذار على حد سواء، يضاف اليه السيناريو المكرر لتصوير الهجوم على أنه يستهدف طائفة بحد ذاتها!

بعد مرور أسبوع على تحرك الشارع، وعدم قدرة الأجهزة الأمنية على مواجهة ما يحصل سوى بالعنف، أو الغوغائية السياسية، يربح المتظاهرون جولة جديدة، بإنتظار جولات أخرى سيحسمها من يتحرك على الأرض، رغم صراعاتهم، وارتباطات قلة قليلة منهم. وهذا إن لم تدرك الطبقة السياسية أن ثمة عاملَين أساسيين ضروريين، الأول الإعتراف بالحق المكرس، والأزمة الحاصلة معيشياً، وهو بدأ يظهر ويدرك، والثاني أنه من الضروري الإستماع الى صوت "الناس"، ليس مَن هم خارج القيد الطائفي فقط، بل حتى ضمن الأحزاب التي تتحرك ضمنها مجموعات تتلاقى مع الشارع ومطالبه، وهو الأخطر نظراً الى أن الإنهيار الأساسي يبدأ من الداخل، أي من داخل الطائفة الشيعية الناقم بعضها على تضحية "حزب الله" بها، ومن داخل جمهور "التيار الوطني الحر" الناقم على الديموقراطية المهمشة داخلياً، ومن داخل تيار "المستقبل" الذي ترتفع فيه الأصوات بعد النكسات المالية.

وإذا كان سقف المطالب والشعارات  السياسية المطروحة ما زال يتخبط، سامحاً للطبقة السياسية بالمناورة واللعب على هذه التناقضات، إلا أن الأيام كفيلة بردم هذه الهوة، وبالتالي تحقيق جملة من المكاسب، ستكون السلطة مرغمة على تقديمها، خصوصاً إن أصرت على سيناريوهات شيطنة التحرك ودجاج "الكنتاكي". 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها