الإثنين 2014/09/15

آخر تحديث: 15:24 (بيروت)

البطريرك.. التمايز والحذر الواجبان

الإثنين 2014/09/15
البطريرك.. التمايز والحذر الواجبان
من لقاء البطاركة، مع الرئيس الأميركي باراك أوباما (بكركي)
increase حجم الخط decrease


تزامن زيارة البطريرك بشارة الراعي الأخيرة إلى واشنطن، مع إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما "استراتيجية الشاملة والمستدامة للحرب على الأرهاب"، مدعاة للحزن والقلق معاً.

 
حرص أوباما قبل إعلانه هذا على تغطية حربه في المنطقة بشرعية إسلامية سنية، وهو اتصل بالملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز عشية كلمته الأربعاء الماضي، ليتبع الاتصال هذا اجتماع جدة الخميس وقرار الدول العربية المشاركة فيه، بما فيها لبنان، بـ"الاسهام في الاستراتيجية الشاملة لمواجهة داعش". بالتالي يدفع تزامن مؤتمر "دعم مسيحيي الشرق" مع إعلان أوباما حربه إلى استنتاج أن المؤتمر هذا هدفه الأول إسباغ شرعية إضافية على هذه الحرب، وهي شرعية مطلوبة أميركيا، خصوصاً أنها آتية من أقلية شرق أوسطية، بعدما حازت الحرب الأوبامية شرعية عربية "أكثرية".

 

إنها لجرأة كبيرة أنّ يزور البطريرك واشنطن في هذا التوقيت، خصوصا أنّ أحداً لا يمكنه توقع الاتجاهات التي يمكن أن تتخذها حرب أوباما، ولا نتائجها أو مدتها، وقد قال الرئيس الأميركي نفسه في كلمته أن الحرب هذه "مستدامة" وأنّ استئصال داعش سيستغرق وقتاً.

 

رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق دومينيك دوفيلبان وصف قرار الحرب الأميركية الثالثة في المنطقة بأنها "حرب عبثية وخطيرة". وقال إنه "كان هناك في العام 2001 مقر مركزي للأزمة الإرهابية. اليوم هناك نحو 15 مركزا.. الذهاب للحرب على منطقة مدماة، مصابة بالأزمات الهوياتية هو التعرض لخطر تصلب وائتلاف عدد من القوى ضدنا". ألا يجب أن يعني هذا الكلام شيئاً للبطريرك وفريقه؟ ألا يجب أن يدفعه إلى السؤال عن مدى صوابية ظهوره في مظهر المؤيد لهذه الحرب؟

 

صحيح أن البطريرك الراعي حرص على تأكيد أنّ طابع المؤتمر هو دعم مسيحيي المشرق وليس أي قضية أخرى، وصحيح أيضاً أنه لم يغفل وحشية الدكتاتورية في المنطقة إذا قال إنّ "الديكتاتورية وداعش يتشاركان الوحشية بشكل متساو"، لكننا لم نسمع مواقف مماثلة من البطاركة الآخرين المشاركين في المؤتمر والذين لا يخفي معظمهم دعمه للديكتاتورية هذه. حتى أن أحدهم ماهى بين الأكثرية العربية السنية و"داعش"، إذ قال: "بين أيدينا اليوم هنا اضطهاد سافر هدد وجود هذه الأقليات لمجرد أنها تعتنق ديانة مختلفة عن دين الأكثرية"! فأي مصلحة للموارنة اللبنانيين في انتهاج سياسات أقلوية وهم بنوا تجربتهم وطوروها في ظلّ الإسلام لا قبله، وهم بادروا إلى لبنان الكبير بدلا من التقوقع في "لبنان الصغير"؟ وأي مصلحة لهم في توكيد إسلاموفوبيا يفترض فيهم أن يكونوا أبعد الناس عنها وإلا ناقضوا أنفسهم بنفي أي مبرر لـ"لبنان الرسالة"؟ وهذا اللبنان يعني أول الأمر أنّ المسيحي اللبناني أقرب إلى المسلم اللبناني منه إلى المسيحي السوري أو العراقي، وإلا نكون قد تجاوزنا الوطنية وذهبنا مذهب "داعش" وغيره في تجاوز الحدود وتقديم الرابطة الدينية على الرابطة السياسية الوطنية.

 

يعرف البطريرك جيداً أنّ موقفه لا يمكن أن يختلط مع مواقف نظراء له يتماهون مع سياسات أنظمة ديكتاتورية. فالبطريركية المارونية لم تتسلم يوما فرمانا من سلطان أو ديكتاتور، وهي وقفت في وجه الأخير يوم لم يجرؤ كثيرون على الوقوف في وجهه خوفاً أو "تقية". بالتالي لا يمكن العمل البطريركي المشرقي المشترك أن يكون بلا ضوابط بالنسبة للبطريركية المارونية ما دامت مواقف بعض البطاركة المشرقيين معروفة، وما دامت الحرية تعني ما تعنيه للموارنة في هذا الجبل المفتوح على المتوسط.

 

لا حل لأزمة مسيحيي سوريا أو العراق خارج الحل الشامل للأزمة السورية والعراقية. هذا أول الطريق لمحاربة التطرف والإرهاب. وحل هاتين الأزمتين لا يمكن أن يكون بتجاوز ما تعرض له العرب السنة في كلا البلدين من تنكيل وقتل وتهميش، ولا سيما في سوريا التي ما زال نظامها يرمي معارضيه السنة بالبراميل، ويستجدي في الوقت نفسه أميركا لضمه لتحالف مكافحة الإرهاب.

 

لا يعني ذلك أنه يمكن التراخي مع "داعش" وعنفها وعشوائيتها، لكن طالما أنّ "المظالم" التي قال أوباما إنّ "داعش تستغلها لتحقيق مغانم خاصة"، قائمة، فهذا يعني أنّ "داعش" ستكون قادرة على تجديد نفسها بهذه النسخة أو تلك. فالحرب الأميركية الجديدة على المنطقة ستستدعي فوضى وتطرفا إضافيين، إن لم تحل الأزمتين العراقية والسورية السببين الأبرز لتضخم "داعش". فهل حسب البطريرك الراعي ذلك جيدا قبل زيارة واشنطن؟

 

increase حجم الخط decrease