الجمعة 2015/11/27

آخر تحديث: 08:34 (بيروت)

"حُطّ بالخِرج"..!

الجمعة 2015/11/27
"حُطّ بالخِرج"..!
تفاقم التعطيل يوحي وكأن النظام يعيش أواخر أيامه (تصوير: ريشار سمور)
increase حجم الخط decrease

بينما يغرق اللبنانيون في هموم النفايات والشوارع المقفلة في محيط قصور المسؤولين، تتفاقم الأعطال في ماكينة الدولة والإدارة ويظهر المزيد من علامات تهافت نظامٍ يبدو وكأنّه يعيش أواخر أيامه. وكما لو كان هذا غير كاف لقطع دابر آخر الآمال بقيامة جديدة للبلد، تنهال على اللبناني مجموعات من الأخبار و"الخبريات" المحشوّة بأرطال من الآمال يجري تعليقها على جملة من لقاءات ومشاورات ومباحثات تدور رحاها بين بيروت وباريس والرياض، وتخوضها شخصيات لبنانية محترمة من مختلف التوجّهات، أهم ما يميّزها أنها... آخر من يحق له التقرير بشأن مستقبل البلاد والعباد ونوعية الرئيس العتيد وهيكلية الحكومة الواجب تأليفها لتسيير شؤون الدولة، ولاسيّما أن كل ما ينبغي عليها القيام به،حين يحين الحين، يصلها مبرمجاً مفقّطاً من طرف الأحبّة في الخارجَين (العربي والغربي)، بحيث لا يبقى على السادة المتحاورين في مثلّث بيروت- باريس- الرياض، إلا تطبيق الوصفات التي تصلهم  داخل المغلّفات المقفلة على طريقة "تبلَّغوا وبلِّغوا".


وهذا ليس عيب هذا الجيل من زعماء البلد، بل هو دأب زعاماته منذ أمد بعيد، وبالتالي فلا يحق لأحد أن يعيِّر أحداً بتبعيّته للخارج الذي  يسيّره، حيث أن الجميع سواء في هذا المضمار.
وهذا بالطبع لا يعود إلى ضعف وِلادي في عضلات الإستقلال لدى الزعامات، ولا إلى غياب المكوّن الوراثي للفروسية في شخصياتهم، بل يعود إلى طبيعة البلد ومياهه المخصصة للشرب، والتي تحمل من بين ما تحمله العديد من مركّبات الاعتماد على الأجنبي والاستقواء به لكسر شوكة ديوك الحيّ المنافسين.


وأحدث ما أمكن تسجيله في سجلّ ذرّ الرماد في العيون، يتمثّل بهذا الحراك المكّوكي الناشط بين ضلوع مثلث العواصم سالف الذكر، حيث يأتي الخبر عن حصول لقاء تشاوري بين مختلفين اثنين، وبذيله تكذيب صريح للخبر ونفي للقاء جملة وتفصيلاً، (وهذا من لزوم الإثارة ولتشويق). وبينما ينشط المتابع في تعاطي الحيرة حول فحوى الخبر، وما إذا كان اللقاء المحكيّ عنه قد جرى بالفعل، أو أنه من بنات الخيال والهوى والرغائب،  يداهم المتابع خبر آخر من الوزن نفسه والنوعية إيّاها، وسط تحركات (مريبة بالطبع) لعدد من الطائرات الخاصة، مقلعة وهابطة، تحمل وزيراً من هنا ومستشاراً من هناك ورئيس حزب من هنالك، وتتبع كل ذلك أخبار ركيكة وغير متماسكة، تتحدث عن اجتماعات تحصل ومباحثات تُعقد، وتكون خواتيم تلك الأخبار معلّقة على آمال وطموحات تنتظر معجزات صغيرة لكي تأتي أُكُلها...


لكن، ومع جزيل المحبة والاحترام والتقدير للسادة أبطال هذه الإلياذات اللقائية، والآمال العريضة التي يُلوِّحون بها أمامنا، على خلفية نشاطاتهم واجتماعاتهم وسهرهم من أجل الوطن ورئاسة الجمهورية ونوعية الحكومة الجديرة بحملنا إلى زمن السعادة والإنشراح، فمن المهم أن نأخذ نفساً عميقاً، لزوم تنشيط الرئتين، والجلوس جانباً لاستعراض كمّ الحقائق الكاغريكاتورية في هذه الأجواء الملحمية المُفعمة بالتكاذب وبناء القصور على ومحاربة طواحين الهواء التي نجت من سطوة سيف "دونكيشوت". فالسادة الذين يروحون ويجيئون ويتشاورون ويتباحثون ويروّجون لأنشطتهم بألف وسيلة إعلامية مغفلة، يعرفون أكثر منّا أنهم لا يملكون أكثر من تعبئة الهواء بالتصريحات، ولا شأن لهم بوضع نقطة في النصّ أو فاصلة، ولا يمونون في أفضل الأحوال على أكثر من نشر أخبارهم وتوزيعها بالتقسيط المثير، وبيعنا بطولات من خشب في زمن النار والحرائق. أما حلّ مشكلة النفايات مثلاً أو رئاسة الجمهورية، أو تفعيل الحكومة أو استبدالها بغيرها، أو تحرير العسكريين المختطفين أو تمرير سلسلة الرواتب والرتب أو... على الأقل، تسليك الأمواه المبتذلة في باطن شوارع المدينة قبل أن يحاصرنا أقسى شتاء يصيب البلد منذ سنوات طويلة، هذا كلّه وحتى نصفه أو ربع ربعه... ليس في يد هؤلاء السادة ولا يمونون بخصوصه ولا هو ماثل على أجنداتهم أساساً.


وطالما أننا نعرف هذا، ونعرف أنهم يعرفون، ونعلم علم اليقين أن الرئيس العتيد لن يدخل بعبدا على فرس محلية ولا حتى على جمل مستورد، ما لم يأمر صاحب الأمر من أقاصي العالم، فإن زرع المزيد من أشجار النخيل لن يقرّب بلدنا إلى شبه جزيرة العرب أكثر مما هو الآن، خصوصاً أن النخيل لا يستسيغ مناخ بلدنا، ونعلم أيضاً أن لا ناقة للشباب المجتمعين ــ المتشاورين ــ المتباحثين ــ  ولا جمل، لا باختيار شخص الرئيس ولا بتسميته ولا بتحديد مواصفاته ولا بتفضيل  اللون الغالب لربطة عنقه ولا للمشاركة في صياغة  النقاط الأساس في بيان الحكومة الجديدة، ولا طبعاً في اختيار رئيسها ولا أعضائها... طالما أننا نعرف ذلك كلّه وأكثر، ونعلم أن الشباب ليسوا قبضايات إلا علينا، فلماذا إذن كل هذا الجهد المبذول في تلميع صورهم التي قد يبريها التلميع. الأنسب والأسهل هو الردّ على حركة الطائرات الخاصة من وإلى، وعلى خبريات اللقاءات والاجتماعات والمشاورات، بكلمة واحدة من نوع المختصر المفيد: "حُطّ بالخرج".

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب