الأحد 2015/01/25

آخر تحديث: 16:26 (بيروت)

رأس بعلبك بعد المعركة: كوباني لبنان

الأحد 2015/01/25
رأس بعلبك بعد المعركة: كوباني لبنان
increase حجم الخط decrease

اجتازت مدينة رأس بعلبك في البقاع "قطوعا" آخر، هو الثالث الذي تختبره في أقل من عامين منذ اندلاع احداث سوريا، بعد حادثة سقوط الصواريخ على ارضها خلال العام الماضي، والكمين الذي تعرض له عناصر الجيش اللبناني وأدى الى سقوط شهداء في جردها قبل أسابيع. إلا ان البلدة خرجت من المعركة الضارية في جرودها، يوم الجمعة الماضي، أكثر ثقة بالجيش اللبناني، خصوصاً بعدما قام بتعزيز مراكزه، لا سيما في تلة الحمرا، بعناصر من فوج المجوقل والتدخل الرابع الى جانب فوج حرس الحدود الثاني الموجود على تخوم البلدة منذ بداية المعارك السورية وتحديداً في القلمون.

اليوم الطويل الذي عاشته رأس بعلبك "كان مخيفا جداً" كما يعبّر الأهالي، "وكان هناك قلق من امتداده أياماً وأسابيع، أسوة بما جرى في عرسال، ما قد يؤدي الى استنزاف القوى العسكرية في المنطقة الجردية، وبالتالي يزيد المخاطر من تمدد الإرهاب الى البلدة".

ومن هنا، قرعت أجراس كنائس المدينة بالتزامن مع المعركة التي كانت دائرة في تلة الحمرا، لدعوة أهالي رأس بعلبك المنتشرين قسراً في أنحاء لبنان، بحثاً عن "العلم والعمل"، حتى يكونوا على أهبة الاستعداد ويلقموا أسلحتهم "الفردية" في حال تطورت الأمور، دفاعاً عن أملاكهم وبيوتهم.

هو "الراس البعلبكي الذي أينما وجد يكون حريصاً على بلدته"، يقول أحد الأهالي. ويلفت رئيس بلدية رأس بعلبك، هشام العرجا، إلى أن رأس بعلبك من القرى القليلة في لبنان التي حافظ أهلها على أرضها، ولم يبع أهلها أراضيهم سوى لأبناء البلدة، وهي من القرى القليلة التي يحرص شبابها مهما بلغوا في الخارج، على أن يتملكوا في رأس بعلبك".

وعليه، فإن ساعات الاضطراب التي عاشتها المدينة، الجمعة الماضي، "لم تكن خوفاً أو قلقاً  مسيحياً"، بحسب ما يقول عدد من أبناء المنطقة في محاولة لنفي ما صوّره بعض وسائل الاعلام، وإنما كانت "اشتراكاً في القلق الوطني من صورة التطرف التي نجحت في نشر الرعب على المستوى الإقليمي وليس اللبناني وحده". ويضيف أحد السكان لـ"المدن": "هذا ليس موقفاً من معركة النظام السوري مع معارضيه، خصوصاً أن البلدة استضافت أعداداً كبيرة من اللاجئين السوريين الذين استأجروا بداخلها وصارت أعدادهم تتجاوز أعداد المقيمين في البلدة شتاءً".

وبعد يومين على انتهاء المعركة، ثمة عتب في رأس بعلبك على "وسائل إعلام ألبست هذا الاضطراب ثوب القلق المسيحي، وصوّرته كأنه محاولة لاحتلال بلدة تشكل خاصرة مسيحية رخوة عند الحدود اللبنانية". واعتبر العرجا أن في ذلك "محاولة لإقحام البلدة في معركة هي ليست طرفاً فيها"، وإنما أهلها هم "ضحية" هذه المعركة، كما هو حال القرى المجاورة  للجبال الفاصلة بين لبنان وسوريا، والتي تدفع الثمن غالياً من أمنها واستقرارها ومن اقتصادها".

ويحاول العرجا تصويب بعض التحليلات من خلال الحديث عن البعد الاستراتيجي "الأكثر دقة" للمعركة التي شنت على تلة الحمرا، "كون رأس بعلبك هي أكبر قرية، عقارياً، في لبنان، وجردها مفتوح على القرنة السوداء من جهة الغرب، وعلى قاره السورية من الشرق، وعرسال من الجنوب، وجرود القاع وبالتالي الأراضي السورية من الشمال. ومن هنا فإن سيطرة المسلحين على جرد رأس بعلبك يعني سقوط البقاع استراتيجياً".

ويرى الأهالي أن الجيش اللبناني مدرك تماماً للأهمية الاستراتيجية لهذا الجرد، لكنه تعرض للغدر عند تلة الحمرا تحديداً، بسبب ثغرات عسكرية. فبعدما أحكم الجيش تعزيزاته من جهة عرسال، كان متوقعاً أن يحاول المقاتلون عند الحدود إيجاد منافذ أخرى لهم، وكان جرد رأس بعلبك أحد الاحتمالات التي يمكن لضغوط عسكرية على حزب الله تحديداً، أن تحقق السيطرة عليه، في محاولة لإعادة التقدم، خصوصاً لجهة القصير وقاره.

إذن، لا يشعر أبناء الرأس بأنهم كانوا مستهدفين بهذه المعركة، مسيحياً. وفي رأيهم أن "المسيحيين ليسوا معنيين بالصراع الذي يتخذ، إقليمياً، طابعاً سنياً - شيعياً". لكنهم، في المقابل، يرفضون أن يُنظر الى القرى المسيحية الحدودية باعتبارها "خاصرة ضعيفة للبنان". ويقول رئيس البلدية: "رأينا أن أهل الرأس حضروا كلهم من أعمالهم عندما قرعنا أجراس الكنائس، منسجمين مع انتمائهم الى البلدة، وإستبسالهم في الدفاع عنها، أياً كانت التوجهات الفكرية أو السياسية أو الحزبية التي ينتمون اليها، سواء كانوا من مناصري القوات اللبنانية أو التيار الوطني الحر أو من القوميين والشيوعيين".

"نحن كوباني لبنان"، يقول العرجا، "ولا يمكن أن نسمح بأي اعتداء علينا"، متوافقاً مع أهالي البلدة على كون أهل الرأس "السند" الذي يحمي ظهر الجيش اللبناني، ولا يرغبون في التقدم عليه. وفي رأي رئيس البلدية أن "المعركة التي خاضها الجيش في تلة الحمرا، هي من أقوى المعارك التي شنت على أراضي البقاع، خصوصاً بسبب وعورة المنطقة وطبيعتها التي تزيد من مشقة القتال فيها، بحيث يصعب الوصول اليها حتى سيراً على الأقدام". وما أعطى الجيش اللبناني دفعاً قوياً فيها هو أن "الرأس حاضنة للجيش اللبناني أولاً"، وأهلها لا يشعرون بأنهم معنيون "بالصراع الاقليمي" القائم بين الحدودين، بالاضافة الى وجود القرار السياسي الحاسم بمنع تقدم التطرف فيها.

والثقة المطلقة في الجيش تسقط، بحسب الأهالي، المعادلة التي حاول نائب المنطقة، إميل رحمة، تعميمها في وسائل الإعلام المرئية، بالتزامن مع المعركة، والقائمة على ثلاثية  "الجيش، الشعب، والمقاومة"، خصوصاً أن بعض أهالي البلدة يعتبرون أن "تدخل حزب الله في معارك سوريا، استدرجها الى الحدود اللبنانية". رافضين بالتالي فرضية أن يكون الحزب هو من قام بتسلحيهم للدفاع عن أرضهم، بل يؤكدون بأن "السلاح الذي بحوزتنا لا يختلف عن السلاح الفردي الموجود في أيدي كل اللبنانيين، وموجّه لكل من يحاول أن يعتدي علينا في أرضنا". 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها