الإثنين 2014/09/29

آخر تحديث: 18:38 (بيروت)

ما بين أجندة الحريري والإئتلاف السوري

الإثنين 2014/09/29
ما بين أجندة الحريري والإئتلاف السوري
الإئتلاف السوري (getty)
increase حجم الخط decrease

 

تقدم الإئتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة برسالة إلى الأمم المتحدة يطلب فيها إدانة تصرفات الجيش اللبناني في عرسال. هذا التصرّف الأوّل من نوعه، لم يرد عليه فريق 8 آذار المناهض للثورة السورية، بل أتاه الرد من رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، من دون أن ينسى التذكير بأنه مع حرية الشعب السوري، وأن موقفه هذا لا يتناقض مع قناعاته.

 

قالوا إن البيان جريء. خطوة الحريري فيها شيء من المسؤولية في مواجهة ما يحصل. التحليل الذي يسوّقه أصحاب هذه النظرية أنه بموقف كهذا يحاول أن ينأى بنفسه عن التطرّف ويمايز بيئته، فضلاً عن الظهور كمانع للفتنة وداعم أوّل للجيش اللبناني في ما يقوم به، في عرسال تحديداً. يأتي هذا الدعم بعد يومين على فيديوهات وصور تُظهر كيفية تعامل الجيش مع النازحين في مخيمات عرسال.

 

طبعاً هذا التحليل لا يأتي من عدم ولا لتبرير الموقف. الحريري استند في ما يقوله على أولويّته كزعيم سنّي يشعر أن طائفته تنزلق إلى مكان خطر. بالطبع أيضاً، ينطلق الحريري من خلفية وطنية، ومصلحة لبنان أولاً. هذا أيضاً ما يقوله محللو بيان الرّد وانتقاد خطوة الإئتلاف السوري. وهذا التحليل دفاعاً أم دعماً للخطوة، يؤكد خطورة المرحلة التي يُدركها الحريري قبل غيره، لكن على جاري العادة اللبنانية، يتعاطى الحريري من منطلق الواقع الراهن من دون الإرتكاز إلى ما سبب هذا الواقع.

 

على أي حال، هذا الرّد بما فيه من محاولة حماية متعددة الأوجه يريدها الحريري لنفسه ولتياره وطائفته وللبنان بطبيعة الحال، لا يُسقط الحساب السوري في جهة الإئتلاف. ليبدو وكأنهما، أي الحريري والإئتلاف ينطلقان من الأرضية نفسها، ليبرّرا تراجعهما وعدم قدرتهما كلّ من موقعه، على ضبط الأمور أو حتى مُجاراتها بالحد الأدنى. والفعل السوري المعارض، ورد الفعل اللبناني المعارض والمُنتقد، يُعرّي في مكان ما الصلة التي قيل إنها وثيقة بين الطرفين. لتبدو الأجندة متباعدة تماماً، بعد أن صار الهدف، الذي جمعهما سابقاً، عرضة للكثير من علامات الإستفهام حول إمكانية تحققه أم لا. أي صار إسقاط النظام يخضع لحسابات تتعدى عاطفة الحريري وقُدرة الإئتلاف، بمسافات ضوئية.

 

وعليه، يُصبح تبرير رد فعل الحريري، موازياً تماماً لتبرير الإئتلاف لخطوته. كيف؟ إذا كان الحريري يبحث عن حماية طائفته وتجنب الفتنة. فإن الإئتلاف يسير بين ألغام مُتعددة ومُتنوعة، جعلته يُبادر إلى موقف يُشعر السوريين من النازحين أن هناك خيمة ولو معنوية يُمكن الإستناد إليها، ومن وجهة النظر هذه، يتحوّل رد الحريري إلى محاولة لسلخ النازح عن حاضنته المعنوية ـ السياسية، التي تلتقي مع الحريري في عدم القُدرة على الوصول إلى الناس والشارع (ذو الوجه الطائفي ذاته لبنانياً وسورياً) ومنعه من الإنفلات، إلى بيئة إرهاب "داعش".

 

الدفاع عن الحريري يقتضي في المقابل القبول بمنطلق الإئتلاف الذي لم يعد أمامه سوى هذا المنحى، فلا هو نجح في التوحد، ولا في تقديم الوجه الآخر لسوريا، وبالتالي يُنازع اليوم من أجل الحفاظ على مكانة ما، في لحظة مصيرية، يبدو العالم كلّه غير آبه له، تماماً كما هو العالم بأسره غير آبه لوطن الـ10452 كلم مربع، ولا لما وصل إليه اللبنانيون بفعل أجندات مُتشعبة، لن تتخلّى عنها الجماعات المحلية المتصارعة، وإن أوحت بأنها مُتفقة على نقاط محددة، لا تعدو كونها أبر مُخدرة على وقع متغيرات أوسع وأكبر.

 

رسالة الإئتلاف، ورد الحريري، بعيداً عن الجيش وما فعله وإن كان يحق له أم لا أو محاولة تبرير الفعل كما ظهر في الرد، يُظهران المنطلق الواحد للإثنين، والأجندة السورية للأوّل واللبنانية للثاني، لا يمكنهما أن يجتمعا ساعة فصل، أو أن يعتبرا معركتهما مُشتركة إلا في رسالة تُليت يوماً ما في البيال.

increase حجم الخط decrease