الجمعة 2014/07/25

آخر تحديث: 14:16 (بيروت)

سيرة ناقصة لـ"شبح جهادي" يُدعى حسام الصباغ

الجمعة 2014/07/25
سيرة ناقصة لـ"شبح جهادي" يُدعى حسام الصباغ
increase حجم الخط decrease

لم يكن اسم حسام الصباغ معروفاً. شاهده الطرابلسيون أول مرة أمام الملأ بين حشد غاضب في ساحة النور. حينها، نزل الرجل الاربعيني وسط رجال مدججين بالسلاح ولم يتكلّم. مشى فقط موزعاً تحياته على مناصريه الذين ظهروا علناً بسلاح ثقيل وبذقون كثة وخشنة كي يقولوا انهم هنا.

اقتضب ما يريده من شارعه في كلمتين: "كونوا سواء". وهكذا عرف اهل طرابلس أن أميراً جديداً ظهر عليهم. لم يكن يعرفه الا الوسط السلفي والمقرب من ملف الاسلاميين وعمل جمعياتهم.

كل من عرف الصباغ سمع عنه اكثر ما رآه. يقال إنه رجل دمث وقليل الكلام. لا يحب المظاهر ويرغب في المشي وحيداً. يتنزه داخل مزرعته في رابية ابي سمراء العالية والقريبة من قضائي زغرتا والكورة المسيحيتين. حيث لا يزال يعتبر انهم جيرانه في لبنان ولا حرب عليهم هنا. مشروعه في الخارج. جهوده كلها غير مرتبطة في بلد يعرف ان علاقته به هي فقط ترويجية. هو منسق علاقات. صلة وصل لحركة جهاد معقدة. تبدأ من شمال لبنان ومناطقه السنية مروراً بالاردن واليمن والمغرب العربي لتصب في اماكن نزاع كثيرة ليس آخرها العراق وسوريا.

مع ظهوره في ساحة النور، استعاد بعض الطرابلسيين والمسيحيين منهم على وجه الخصوص حقبة امارة حركة التوحيد وامراء احيائها. تذكروا في "غمضة عين" مجزرة "البوابة" في الميناء التي قتل فيها عناصر من حركة التوحيد عشرات من الشيوعيين في عملية تطهير عقائدي.

حينها، لم يتنبأ احد بظهور السلفيين في شمال لبنان التي جاءت مع الشيخ سالم الشهال والد داعي الاسلام. وقتها، كان الصباغ لا يزال غارقاً بأفكار سيد قطب. لم ينخرط ببقايا التوحيد. مر على جماعة عباد الرحمن والجماعة الاسلامية وعرف فتحي يكن وغيرهم، لكن لم يرقه هدوءهم وتماشيهم مع تيارات سياسية "مسالمة" ومهادنة للأنظمة السياسية، التي يصفها كما ينقل عنه بـ"الكافرة".

شبكة علاقاته تبدلت. منذ بدايات خروجه من بيت فقير في حي باب التبانة مروراً بأحياء مكتظة بأطفال يأكل عيونهم الغمش، عمل الصباغ في طفولته المبكرة بمهن متواضعة الى ان سافر إلى أوستراليا عام 1986. وقتها لم يعرف الصباغ "القاعدة". يقال انه التقى بأيمن الظواهري. واثناء مشاركته في القتال في الشيشان تعرف الى جهاديين من تنظيم "القاعدة"، وتوطدت علاقته حينها بمتطرفين سعوديين وباكستانيين ورجال اعمال وممولين بريطانيين من اصول عربية وهندية واوروبية. 

عاش في اوستراليا مع زوجته الشمالية التي تحمل الجنسية الاوسترالية في بيت صغير في سيدني. ربى عائلته على الطريقة السلفية متأثراً بمشايخ متشددين. لم يدرس في معهد شرعي انما واظب على الاستماع الى خطب دينية. تعرف الى ممول سلفي سعودي في اوستراليا بقيت اتصالاته به قائمة الى ان انفجر وضع العراق بعد سقوط صدام حسين. طلب منه الرجل مساعدته في تجنيد شبان من لبنان لقتال الاميركيين في العراق. وهكذا حصل. ارسل مجموعة قاتلت في بغداد وذهب معهم. اشرف على عمليات انتحارية. ثم عاد الى لبنان نهائياً عام 2005. رافقته اسرته واستقر في منطقة سكنية تتصف بتدينها في ابي سمرا عند "نزلة الخناق". ترك بيته في التبانة لخدمات اجتماعية يقدمها لفقراء الاحياء. فتح محلاً للفول والحمص في شارع الحرم. اغلقه لاحقاً، ليتفرغ بعد اندلاع الثورة السورية لجبهاتها. وليصبح المرشد لرحلات الجهاد المتبادلة بين سوريا ولبنان.

يعرف عن الصباغ انه لا يؤم مسجداً واحداً للصلاة، لذا كان يصعب على مريديه اللقاء به. لديه مساعدون كثر وأذرع في المناطق الشعبية المثقلة بالشباب المتروك بلا أفق. يتواصل معهم عبر وسطاء متدينين في المساجد والمصليات وتجمعات عرفت تكوينها بعد احداث سوريا. يقدم لهم خدمات تبدأ بتأمين قطعة سلاح صغيرة وصولاً الى تسديد مصاريف صحية وتربوية.

ليس للصباغ شلة اصدقاء بل مريدين. يلتقي فقط بشكل دوري بالشيخ سالم الرافعي والشيخ كمال البستاني وعمر حدبة. بعد ظهوره في ساحة النور، أدخل الصباغ طرابلس في مرحلة عرفت بأنها "الاقسى" قبل تطبيق الخطة الامنية. صار مسلحوه يظهرون في الخفاء والعلن. اثناء اشتباكات باب التابنة وفي اوقات تبرز فيها ملفات الموقوفين الاسلاميين في سجن رومية، وما يمر اثناء ذلك من حوادث في سوريا وما أعقبها من عودة الجثامين من القصير وقلعة الحصن.

شارك في توجيه مقاتلين داخل معارك باب التبانة رغم انه لا يعول على جبهات صغيرة في الداخل اللبناني وهو يردد لمقربين منه ان المعركة الكبرى هي في دمشق. مجموعته تصل الى 350 شخصاً في طرابلس، وقد يكون لدوي غضبها اثر بالغ على الشارع السني. عدا عن مجموعات اخرى له متمددة في البقاع وجرود عرسال.

ورد اسم الصباغ أول مرة في الاعلام اللبناني بعد القرار الاتهامي الذي أصدره قاضي التحقيق العسكري الاول حينها رشيد مزهر بحقه في تشرين الاول عام 2007. طلب للمحاكمة بعد اتهامه بـ"إنشاء مجموعات مسلّحة وإعداد وتحضير الشباب المسلم السني فكرياً وعسكرياً وجسدياً لمواجهة التحديات التي قد تطرأ على الساحة اللبنانية". تطرق القرار إلى أنهم كانوا يهدفون من خلف التدريب والإعداد إلى نصرة المقاتلين في العراق.

بقي هذا "الامير" المفترض شبحاً. ظهوره كما القاء القبض عليه: غامض.

increase حجم الخط decrease