الأربعاء 2015/03/04

آخر تحديث: 16:13 (بيروت)

"14 آذار" من قوى "انتفاضية" إلى "ائتلاف أهلي"

الأربعاء 2015/03/04
"14 آذار" من قوى "انتفاضية" إلى "ائتلاف أهلي"
increase حجم الخط decrease

في الذكرى العاشرة لـ"14 آذار" تسأل شخصيات فيها إذا كانت مشكلتها سياسية أو إدارية؟ أهمية هذا السؤال أنه يعترف بوجود مشكلة داخل هذه القوى، وبالتالي يشكل مدخلاً صحيحاً إلى مقاربة مسيرتها خلال السنوات العشر الماضية التي انقلبت المنطقة فيها رأساً على عقب، وكان لبنان قد أوحى بشيء من هذا الانقلاب منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما تلاه من انقسامات سياسية/ أهلية، ما برحت تتجدد وتأخذ أشكالاً جديدة على وقع احداث المنطقة، من دون أن تسفر عن شيء غير تجديد الانقسام نفسه.

تأسست "14 آذار" على لحظة انتفاضية أو ثورية كان طموحها تحرير لبنان من الوصاية السورية وإعادة تكوين السياسة والسلطة بالقطع مع "النظام القديم" برموزه ومنتجاته الأمنية والسياسة. وقد نجحت "14 آذار" في الضغط لتحقيق انسحاب الجيس السوري من لبنان، لكنها فشلت في تحقيق التغيير السياسي/ الأمني المشهود.

أول إخفاقات قوى "14 آذار" كان عدم تمكنها من اسقاط الرئيس إميل لحود، الذي أكمل ولايته إلى آخر دقيقة وغادر قصر بعبدا بابتسامة عريضة مثلما دخله. هذا الإخفاق شكّل الاصطدام الأول لـ"الثورة" بالواقع اللبناني المركّب وتوازاته التي يصعب، لا بل يستحيل، تجاوزها من دون الانزلاق الى الاقتتال الأهلي، وهذا ما تأكد فيما بعد باتخاذ الخلاف السياسي مع حزب الله وجهة أهلية ومذهبية كانت وما تزال تهدد لبنان بأمنه واستقراره في أي لحظة تخرج عن "السيطرة".

ولعلّ اصطدام "الانتفاضة الاستقلالية" بالواقع أي بالسياسة وتوازناتها المحلية والإقليمية هو أكثر ما يجب التوقف عنده في مسيرة "14 آذار"، إذ هو فعلياً ما أدى إلى إجهاضها ومنعها من تحقيق أهدافها. وقد جاءت الانتفاضات أو الثورات في بلدان "الربيع العربي" لتؤكد أنّ نجاح أي حركة تغييرية مرهون، أولاً، بقدرتها على تغيير الواقع السياسي في بلدها واستلام الحكم، والأهم القدرة على إدارته. وهذا ما يمكن الركون إليه في التجربة المصرية أكثر من سواها. فـ"14 آذار" بالرغم من الشرعية الشعبية التي تأسست عليها لم تتمكن من الحكم فعلياً، لا بل سرعان ما تحولّت من "ثورة" إلى "معارضة" لم تفلح حتى الآن في تجسيد مبادئها بالرغم من أنها شاركت في السلطة، وفازت في الانتخابات النيابية مرتين. علما بأنّ مشاركتها في الحكم في حكومات الوحدة الوطنية، ترتب عليها خسارتها وحدتها وتماسكها ومشروعها الأساسي، إذ انقسمت وما زالت بين "14 آذار" حاكمة، وأخرى معارضة، من دون أن تتمكن من مصالحة موالاتها ومعارضتها يوماً.

من هنا يتبدى أنّ مشكلة "14 آذار" الحقيقية هي سياسية أولاً، وتحديداً في استحالة تحويل "الانتفاضة" إلى سياسة حكم. وهذا ما لا يمكن حصر أسبابه بـ"14 آذار" نفسها، إذ هو يخضع لاعتبارات التركيبة اللبنانية وتوازناتها ولموازين القوى في المنطقة والعالم، أكثر مما يخضع لكيفية إدارة "14 آذار" معركتها أو سياستها. وهذا ليس حكراً على "14 آذار"، إذ أن الهوة التي تكرست بين مبادئها الأولى ومقتضيات الواقع السياسي، محلياً واقليمياً، تكررت في  بلدان "الربيع العربي" من دون استثناء حيث اصطدمت الثورات بآلة الدولة العسكري، أو بقدرة "النظام القديم" على الإنبعاث من جديد، محوّلاً "القوى الثورية" إلى معارضة في أحسن الأحوال.

ولعلّ استحالة تجسيد مبادئ "الثورة" في الواقع السياسي، أي بمعنى آخر فشل الثورة في إلغاء "النظام القديم"، يجب أن يدفع "الحركة الاستقلالية" إلى "تسييس" مبادئها وإخضاعها لتوازنات الواقع السياسي/ الأهلي بامتداداته المحلية والإقليمية. وهذا ما يمكن القول إنّ "14 آذار" قامت به، عبر حوار "تيار المستقبل" مع "حزب الله"، وكذلك حوار "القوات اللبنانية" مع "التيار الوطني الحر".

لكن في الواقع إنّ "حزب الله"، الخصم القوي لـ"14 آذار"، والذي يستفيد من "الدور الجديد" لإيران في الإقليم، هو من يفرض سياسته على الدولة و"14 آذار" معاً وليس العكس. فتقدم الدينامية الأهلية على الدينامية السياسية في الصراع بين حزب الله و"14 آذار"، شكّل ضربة قاضية للأخيرة، ودفعها إلى خفض سقفها إلى ما دون السياسة، أي إلى حصر حركتها بضمان الاستقرار ومنع تمدد الفتنة السنية الشيعية إلى لبنان. وهذا بالرغم من كونه ضرورة إلا أنه ينهي عملياً "14 آذار" كجسم سياسي "انتفاضي" موحد، ويحولّها إلى مجموعات تمثيلية أهلية، لكلّ منها "مشروعها الخاص". وهذا ليس على المدى البعيد سوى مكسب لـ"حزب الله" في تعميم "المشاريع الخاصة"، أو في احتواء الجميع في مشروعه!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها