الأحد 2015/05/24

آخر تحديث: 13:39 (بيروت)

تيمور جنبلاط: مشروع "وليد" السياسي

الأحد 2015/05/24
تيمور جنبلاط: مشروع "وليد" السياسي
تحدي إكمال مسيرة كمال ووليد (المدن)
increase حجم الخط decrease

يشتهر وليد جنبلاط بـ"أبو تيمور"، هو اللقب الأحب الى قلب الناس، لأنه يشعرهم بالقوة والعنفوان. على الرغم من الشعور بالغبطة العسكرية عند سماع أحد يهتف بهذا الإسم، إلّا أنه ليس اسماً حركياً أو لقباً عسكرياً، اختاره وليد حقيقة لنفسه، في مرحلة كان السلاح هو اللغة الوحيدة في لبنان.

في العام ١٩٨٢ كانت أصعب مراحل الحرب في لبنان، ووسط ضوضائها ولد الوريث الجديد لـ"عامود السماء": تيمور وليد كمال جنبلاط. حتى في اسمه، أراد له والده أن يحمل غاية سياسية سمتها العمق، وأخرى تاريخية تعود الى أيام غابرة، لتذكر بأصول العائلة في آسيا الوسطى، كما أراد للاسم أيضاً ارتباطاً بالشام، التي تعني كثيراً له، في توقيت صعب أثناء ولادة الوريث الجديد، فكان الاختيار رسالة للنفس حول التمسك بالبقاء والاستمرار، وللغير كرسالة على دليل قوة وصلابة، وربما تشبه بتيمورلينك الذي أحرق دمشق.

هكذا رسم وليد مستقبل تيمور حتى قبل أن يولد. درس الوريث المرتقب للقب "عامود السماء" العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت، ذهب بعدها الى باريس ليستكمال دراسته العليا، وهناك متّن علاقته بالوزير السابق والخبير في العلاقات والسياسات الدولية الدكتور غسان سلامة. لم يعش تيمور حياة صاخبة هناك، بل أراد بناء شخصيته السياسية والمعرفية على حدّ قول العارفين.

لم يكن جنبلاط الأب يريد لنجله أن يكون على صورته ومثاله، بل أراد لشخصيته أن تكون مزيجاً بين ميزاته وميزات جدّه كمال، و"في حال نجح في المزج هذا يكون في أفضل حالاته". في نظرة عارفيه يختلف تيمور عن وليد ببعض الطباع، أبرزها الهدوء الى اقصى الحدود، وله باع طويل في الاستماع والاستفسار والإكثار من الأسئلة لكسب المزيد من الدراية.

منذ أسبوعين دخل تيمور مضمار الحياة السياسية اللبنانية في ضوء دور عائلته الزعامتية. اختار له والده هذا التوقيت، للدخول في الميدان العملاني بعيداً عن النظري، وفي ذلك يريد ابو تيمور التحرّر من مقاليد ثمانية وثلاثين عاماً من حياته، باحثاً عن حرية شخصية أكثر، ومحيلاً الى تيمور شأن الناس وهمومهم.

لا يقتصر النشاط السياسي لوريث المختارة المرتقب، على الأسبوعين الفائتين، حيث ظهر تيمور في صدر الدار، جالساً على كرسيّ والده المتواضعة، المصنوعة من القشّ، والتي تعج بها حارات الشام القديمة، لبسها الشاب النحيل الهادئ، مستقبلاً الوفود الشعبية، منصتاً لمبتغى هذا ولمطلب ذاك، فعلياً دخل تيمور ميدان السياسة من باب أوسع، وصفت حين ذاك بمعموديته السياسية، حين أوفده والده لحضور مهرجان الانتصار لـ"حزب الله" في الضاحية الجنوبية لبيروت، بعد أن أراد رئيس اللقاء الديمقراطي الدخول في منحى سياسي جديد بعد 7 أيار.

في هذه المرحلة السياسية التأهيلية لتيمور يعتبر قصر المختارة أهم من جامعة السوربون، بالنسبة لوليد يتلقى تيمور الآن دراسة تطبيقية في علم "الدروز - جولوجيا" اي علم الطائفة الدرزية وكيفية ادارة شأنها من ضمن المعادلة السياسية اللبنانية.

المعروف عن الموروث التاريخي الجنبلاطي أن أحداً من زعامات البيت لم يلق حتفه في فراشه، بل جميعهم اغتيالاً، لربما أراد وليد وهو المعروف بديناميته وعشقه للتغيير، أن يغيّر جزءاً من المعادلة، فعلى الرغم من الخطر الذي يتهدده دوماً لا يتخلى عن مبدأ القدرية، وبمرافقتها أراد لتيمور أن يشق دربه السياسي تحت ناظريه.

هدوء تيمور ينعكس في نظرة عينيه التي تشخص الى مراقبة مجريات الأوضاع وتطوراتها، والمخاطر المحدقة بالمنطقة والطائفة الدرزية. يريد أن يثبت نفسه، وأن يستحق لقب "عامود السماء"، ذلك اللقب الذي استحقه الشيخ بشير جنبلاط لقوته وصلابته، حين واجه موته المحتم من دون أن يخشاه في مواجهة الامبراطورية العثمانية في القرن التاسع عشر، والأمر نفسه تكرر مع كمال في العام 1977 حين جابه السوريين، وكذلك وليد طوال فترة الحرب والسلم ومرحلة إخراج السوريين من لبنان.

يسعى تيمور الى الاستمرار في التواصل بين الأجيال. يحيط به جيل جديد من الشباب بالاضافة الى التنسيق مع الفريق المخضرم. في المختارة اليوم من يعاون تيمور من الفريق المحيط بوالده أصلاً لأخذ الخبرة، وكذلك يتحفظ لنفسه بعدد من العلاقات مع أبناء جيله، لكن لا صورة واضحة حتى الآن لفريق تيمور.

اراد وليد لنجله أن يتهيأ للسياسة باكراً، منذ اختيار الاسم له. يقف تيمور امام مسؤولية كبيرة جداً، اولها الحفاظ على ارث المختارة وحماية الدروز سياسياً، وهو سليل آل جان بولاد، أو الروح الفولاذية. ذلك كله يفرض عليه مسؤوليات جسام أولها كيفية النجاح، من دون اسقاط تحدي إكمال مسيرة كمال ووليد.

*ملاحظة: تنشر "المدن" غداً الحلقة الثالثة من سلسلة "الوراثة السياسية" عن طوني فرنجية، بعد حلقة الأمس عن سامي الجميل، وحلقة اليوم عن تيمور جنبلاط.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها