الأربعاء 2015/09/02

آخر تحديث: 14:39 (بيروت)

جيل جديد في بيروت

الأربعاء 2015/09/02
جيل جديد في بيروت
increase حجم الخط decrease

ثمة جيل جديد يخرج إلى العلن في بيروت. قد يكون هذا الأمر أكثر ما يجدر بنا التوقف عنده في الحراك الذي تشهده شوارع وسط العاصمة. هذا الجيل (خصوصاً من تراوح أعمارهم بين العشرين والخامسة والعشرين) فاجأ الجميع وأربك الجميع في السلطة وخارجها، في السياسية وخارجها. بدا للوهلة الأولى أن كل شيء سابق على هذا الحراك يتهاوى: الإنقسامات السياسية التقليدية، الأفكار عن الوطن والسيادة والدولة، النظرة إلى القوى الأمنية، والأحزاب ومراكز وعناوين السلطة جميعاً. للوهلة الأولى كان الشعور أنّ ثمة انقلاباً يحصل، ليس بالمفهوم السياسي الضيق، إنما على مستوى البنى التقليدية في البلد، من الفن وطرق التعبير والاعتراض وصولاً إلى السياسة نفسها.

منذ البداية كانت الأنظار متجهة إلى هؤلاء الشباب وسط الحراك. لدرجة أنّ من هم من فئات عمرية أكبر ظهروا كأنهم "مندسون" في الحراك وليسوا نبضه الحقيقي بكل خلفياتهم وسوابقهم في السياسة وغيرها. هذا أوجد حاجزاً نفسياً بين السلطة والشارع، فكل منهما ينتمي إلى حقبة وإلى أفكار وإلى أنماط عيش مختلفة ولا تتقاطع إلا قليلاً وقليلاً جداً. حتى الذين هم ما فوق الثلاثين بقليل شعروا كأنّ شيئاً فاتهم وكأنهم أسرى حقبة ماضية، وأنّ الشارع تجاوزهم بأفكاره وتعبيراته. إلى هذا الحد بدا الشارع جديداً وغير مألوف. وهذا أقوى ما في الحراك اليوم.

الحقيقة أنّ خطاب الجيل الجديد لا يمكن أن يكون بخلاف ما هو عليه اليوم، لجهة تقديمه الملفات المعيشية والحقوقية على سواها من العناوين السياسية والسيادية التي نشأ عليها من يكبرهم وإن بسنوات قليلة. هؤلاء الشباب كبروا وتشكلّ وعيهم بعد خروج القوات السورية من لبنان وعلى الأرجح أن معظمهم لا يتذكر شيئاً عن حقبة الوصاية السورية وسيئاتها الأمنية والسياسية. كذلك هم غير معنيين بالانقسام الذي قام بعد العام 2005، وبهذا المعنى هم جيل "ما بعد 8 و14 آذار"، لكن ليس لجهة تجاوز هذا الإنقسام بل لجهة عدم ارتباطهم به وعدم إكتراثهم له. مرجعياتهم مخلتفة وأفكارهم مختلفة، وهي أفكار لم يتطرق إليها أي من التحالفين العريضين. فلا 8 ولا 14 آذار خاضوا في المسائل الاجتماعية والتي كانت تزداد إلحاحاً عاما بعد آخر، في وقت فقد الإنقسام أي حيوية سياسية بعد "التقاطعات الموضوعية" بين الفريقين، في الحكومة وخارجها. وبالتالي هذا الإنقسام ليس فيه ما يجذب السواد الأعظم من هؤلاء الشباب المعنيين أولاً بحياتهم اليومية وقدرتهم على العيش كما يحبون، في بيئة سليمة، وفي مناخ اقتصادي يتيح لهم فرص عمل وحياة كريمة.

"جوّ" هؤلاء الشباب خلق حواجز نفسية بينهم وبين السلطة أو السلطات في البلد. هي قديمة وهم حديثون. هي متكلسة وبلا حيوية، وهم يفيضون حيوية وأمل. ولذلك هم أقوياء بخطابهم وحركتهم. حتى الأحزاب التي تعد قوية بدت ضعيفة أمامهم ومرتبكة و"دقّة قديمة". كما بدا أن المستقبل ملك هؤلاء الشباب وحدهم في البلد وأنّ أحداً من السلطة والأحزاب لن يستطيع تجاوز مطالبهم بعد الآن. وهذا بطبيعة الحال قد لا ينطبق على قيادة التحرك، التي لم تستقر بعد، وقد بدا ذلك واضحاً في تحركات الأمس في وزارة البيئة وخارجها. كذلك فإنّ بعض الوجوه التي "تنظّر" للحراك لا تشبهه في جوهره "الزمني" والتعبيري، وهي بذلك تبدو منفرّة وتسيء للحراك أكثر بكثير مما تفيده، أقله على مستوى صورة الحراك الحقيقية غير المزيفة. لكن، مع ذلك قيادة التحرك، جزء أساسي منه، وبالتالي لا يمكن تجاوزها وحصر الحراك بقاعدته الشبابية. هنا ننتقل إلى "المضمون السياسي" للتحرك ومآلاته وإسقاطاته على الواقع السياسي الراهن وتوازناته. وهذا ما ما لم يتضّح بعد بشكل واف يتيح بناء موقف سياسي محدد من التحرك. إلا أن الأكيد أن التحرك مستمر في خلط الأوراق وإرباك الجميع، وهذا بحد ذاته سياسة عمادها الجيل الجديد، وليس قيادة التحرك!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها