الثلاثاء 2015/06/30

آخر تحديث: 14:40 (بيروت)

السنّة و"الفَدرَلة".. نهاية "الطائف"!

الثلاثاء 2015/06/30
السنّة و"الفَدرَلة".. نهاية "الطائف"!
الرافعي أول شخصية سنية في لبنان تنادي بالتقسيم (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
قد يمر عابراً خبر قيادات مسيحية تتحدث عن الفيدرالية، وإن خاضت حروباً في السابق تمسكاً بالدولة الواحدة الموحدة. قد يبدو طبيعياً، في زمن تخبط الطوائف، وصراعها وتناحرها، أن يلجأ البعض الى طروحات قديمة – جديدة، لحماية الوجود والحفاظ على المصير، وفق أفكار لم تغب يوماً عن أجندات الغالبية المسيحية.


كل ذلك يظل عابراً. يدرك المسيحيون أن أكثر طروحات صقورهم منذ زمن اليمين واليسار، لا يمكن أن تكون إلا تحت ستار لبنان بحدوده الحالية. وفق ذلك لم تخرج كل طروحات المسيحيين عن الـ10452 كيلومتر مربع، وبقيت ضمنها، أكانت تتمحور حول دولة مركزية أو دولة فيدرالية أو حتى اللامركزية الإدارية.

بالأمس القريب خرج الشيخ سالم الرافعي، غداة تسريب فيديوهات سجن رومية، ليسجل أنه أول شخصية سنية في لبنان تتحدث عن الفيدرالية والتقسيم منذ إستقلال لبنان والميثاق الوطني بين بشارة الخوري ورياض الصلح. منذ ذلك الزمن، تنقل السنّة بين شعارات تصب كلها في خانة الحفاظ على الكيان اللبناني بتنوعه، بوصفه حاجة وضرورة في المنطقة. خلال الحرب الأهلية، رفعوا شعار صائب سلام "لبنان أكبر من يضم وأصغر من أن يقسم". عُدّ ذلك الشعار في وقتها تكريساً لميثاق 1943، وتخلياً عن طروحات الوحدة مع سوريا التي سبقت الإستقلال، إضافة إلى رفض طروحات اليمين اللبناني والتي رافقت سنوات الحرب، وإنجزت بفعل الأمر الواقع من المدفون إلى كفرشيما.

بعد الحرب الأهلية، وتحديداً منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 2005، انتقل السنّة إلى مرحلة "لبنان أولاً". عُدّ ذلك أيضاً تكريساً لمرحلة تاريخية، تلَت الإستقلال، لطائفة لم تشارك كما بقية الطوائف في الحرب، ربما لشعورها بإمتدادها في المنطقة، وبأنها أكبر من أن يتم تصفيتها، خلافاً لبقية الطوائف التي امتشقت السلاح دفاعاً عن الوجود المهدد من الآخر.

على العكس تماماً من القيادات، كانت بارزة سخرية الطائفة السنية، شعبياً، من الكيان اللبناني، حتى منتصف التسعينات. كانت المعايير على أرض الواقع، معاكسة، تشير إلى أن هذه الطائفة لم تقتنع يوماً بهذا الكيان، على الرغم من تمسك قياداتها به. حتى تلك الحقبة، ظل تلاميذ مدارس جمعية "المقاصد الخيرية الإسلامية"، والتي تعتبر واحدة من أهم مؤسسات الطائفة، التربوية والطبّية، يسخرون من النشيد الوطني اللبناني، بكلمات محرفة، ويشبّهون الأرزة بـ"الأرنبيطة". تلك الجمعية التي إرتبطت بآل سلام، لم تنجح في تعميم شعارات صائب بيك على طلابها، لكن إغتيال رفيق الحريري، نجح في توحيد السنّة، للمرة الأولى، حول هوية وكيان وقضية.

بعد ذلك كله، تبدو واضحة خطورة تصريحات الرافعي. هو لا يتحدث من عدم. ثمة تيار كبير، ضمن الطائفة السنّية، يشعر بسطوة "حزب الله" على مفاصل الدولة، وتحكمه في قرارات مصيرية، مثل الحرب والسلم. بعض هؤلاء، وهم قلّة، إختار التطرف. والبعض الآخر، وهو الأكثرية، يلتزم الصمت، ويقف متفرجاً كما كانت حاله خلال الحرب الأهلية.

أعاد الرافعي، بما يمثل في طرابلس، الطائفة السنّية، عشرات السنين إلى الوراء. لا يمكن فهم ما صرح به في سياق الفيدرالية وحدها، خصوصاً في ظل تقارير عن تمدد "داعش" في اتجاه طرابلس ليكون لها منفذ بحري. لا يعني ذلك أن هناك تماهياً مع "داعش"، لكنه يعني بالضرورة أن لبنان، في حال رفع السنّة شعار الفيدرالية، دخل نفق التقسيم، أو الضم والفرز، الذي لم تغفله كل خرائط الشرق الأوسط الجديد الصادرة منذ العام 1982، فأتى شعار سلام "أكبر من أن يُبلَع" لينهي حقبة تاريخية من مطالب الضم الى سوريا.

تشير مصادر شمالية مطلعة إلى أن الرافعي، ومن خلفه هيئة العلماء المسلمين، دأبت على مخاطبة غرائز الشارع. لكنها، في المقابل، تحذر من خطورة هذا الكلام، فيما يقاتل "حزب الله" خلف الحدود، معتبراً أن معركته في جرود القلمون وعرسال مقاومة وتحريراً لبلده وأرضه، وفق كلام الأمين العام السيد حسن نصرالله.  وفي الوقت الذي ترسم فيه دويلاتٌ حدودها، وسط محاولات لجرّ أقليات أخرى الى لعبة الكانتونات. وتلفت المصادر إلى أن ذلك يترافق أيضاً مع الأزمة الواضحة التي يعيشها لبنان سياسياً، والتي تطاول الآن الكيان اللبناني، بعد الحديث المتكرر عن المؤتمر التأسيسي، وتعديل اتفاق الطائف، وإعادة توزيع الحصص.

وتقلل المصادر من أهمية ما قاله الرافعي، معتبرة أنها محاولة للتهديد، لا أكثر. لكنها تحذر من خطورة إدخال مثل هذه الإفكار الى أذهان القواعد السنّية، بوصفها أكثر الطوائف حماية لاتفاق الطائف منذ إعلانه حتى اليوم، فيما المسيحيون والشيعة منقسمون حوله. ما يعني أن اقتناع السنّة، ككتلة كبيرة، بهذا الطرح، سيكون بمثابة دقّ المسمار الأخير في نعش "الطائف"، وتالياً الكيان اللبناني بصورته الحالية. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها