الإثنين 2018/04/23

آخر تحديث: 10:29 (بيروت)

ليس أمام اليسار إلاّ.. اليسارية

الإثنين 2018/04/23
ليس أمام اليسار إلاّ.. اليسارية
الشتات اليساري صار مرادفاً للقاعدين على مقاعد الانتظار (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

الأزمة الفكرية والنظرية والبرنامجية والسياسية.. التي يدور في دوامتها اليسار اللبناني، جعلت أطرافه موزعة على شتات تجمعات وحلقات، وعلى مجموعة لقاءات ومسمّيات، غلب عليها النقد التشكيكي من بعد، والميل إلى "اللون المدني" عن قرب، وشاركت غيرها في النفور من السياسة. كل هذا وهي، أي جماعات البيئة اليسارية، تعلن تمسكها بيساريتها، وتؤكد بأفصح العبارات، وبأعلى النبرات، أنها تسعى حقاً إلى تجديد اليسار، بأطرافه ومكوناته الاشتراكية والشيوعية والقومية، بعدما أصاب هذه البيئة ما أصابها من أعطاب في الفكر وفي السياسة.

وإذ لا يستطيع إنكار واقع الأزمة السياسية العامة إلاّ مكابر أو متجاهل، فإنه ينبغي القول إن "الشتات" اليساري لا يترجم دائماً حرصه المعلن على يساريته وعلى أقرانه من اليسار، بخطوات عملية ملموسة، بل إن كثيراً من النوايا الحسنة اليسارية، تصير بلاطاً "لجهنم" التشرذم والنفور والتنابذ بالألقاب، ضمن الوسط اليساري ذاته.

من واقع الأحوال اليسارية، نقع على بعض شتات من اليساريين، الذين لا يروقهم كل اليسار، وبعض آخر من هذا الشتات، لا يريد لأي طرف يساري أن يلتقي مع أي طرف آخر، لا على صعيد محطة سياسية مؤقتة، ولا على صعيد مهمات مرحلية أبعد. أما أغلب شتات اليسار، فإنه يعرف ما لا يريد، ولا يسعى إلى ما يريد، ويحتفظ لنفسه بالتحليق فوق التحليل السياسي الذي يصدر عن هذا التنظيم أو ذاك، مثلما يحتفظ لقلمه بحقوق نقد التحركات الشعبية والمواقف السياسية وكل أشكال التنظيم والانتظام. الشتات اليساري هذا، صار مرادفاً للقاعدين على مقاعد الانتظار، انتظار المتفرجين وليس انتظار اللاعبين الذين ينتظرون اشارة المدرب بالسماح لهم بالنزول إلى وسط الملعب.

وكما هو معلوم، أحزاب اليسار معروفة وغير مجهولة، وأفكار تلك الأحزاب وقدراتها وسياساتها وتوجهاتها وتحالفاتها ومآزقها.. كلها معروفة، لذلك تأتي ممارستها المعلومة أيضاً، مشوبة ومحكومة بمعطيات ذلك الواقع المأزقي. عليه، هل نفهم الواقع كما هو، من دون شتم، هو من خارج الأدب السياسي المسؤول، ومن دون تمجيد، هو من خارج التحليل السياسي الموضوعي الجاد، ومن دون تصنيف مسبق، هو من نوع الشمولية الفكرية التي تدعي امتلاك الحقيقة اليسارية والنطق باسمها. هكذا لا نبخس من يبادر حقه في المبادرة، ونعترف بحق الآخر في الاختلاف، ونفتح الطريق أمام تشاور جماعي، وتفاعل واسع، لأنه من دون مساهمة الحالة اليسارية العامة، لا يمكن التصدي لأعباء وأحكام الأزمة اليسارية العامة التي تعصف بكل البنى اليسارية.

في هذا المجال، مجال النقد والمراجعة ومحاولة البحث عن جديد يساري، تصير كل المواضيع مطروحة على بساط البحث، من معنى أن تكون يسارياً اليوم، إلى الأفكار التي تميز مسمى اليسار عن سواه من المسميات، إلى البرنامج الذي يخاطب قوى محددة ومصالح اجتماعية بعينها، إلى أصحابه الذين يعرفون أين يضعون أقلامهم وأجسادهم، في ظل الأوضاع الإقليمية المحيطة بالمنطقة العربية، بأخطارها وأطماعها وصراعاتها، وبمصير الصراع القومي على أرض فلسطين. هذا مع رؤية جديدة للواقع الدولي وتعريفاته وسياساته، إمبريالية كانت أم ليبرالية أم ما يشبه صورة من صور الاستعمار الجديد.

ما تقدم وسواه، يجعل المجال متاحاً لمن يريد مساهمة يسارية جادة، في الفكر وفي العمل. وهذا ميدان يمكن الخوض فيه من قبل اليسار المنتظم في أطر حزبية، ومن قبل اليساريين الموزعين فرادى وعلى جماعات وتجمعات، ومن الطبيعي أن تتلون المساهمات بألوان أصحابها، وبما يرونه متفقاً مع نظرياتهم الفكرية، ومع مضامين مرجعياتهم النقدية، وفي كل الأحوال، سيكون مفيداًن بل واجباً، اقتران كل الجهد الفكري، على كل الصعد، بأشكال من الجهد العملي، أي أنه لا بديل من المزاوجة بين "التأمل" والحركة، لأنه لا تطوير للوضعيتين، إلا من خلال هذه المزاوجة.

على الصعيد العملي هذا، تحضر مسألة التعاون ضمن البيئة اليسارية العامة. وهنا، لا بديل من القول إن التفكير بالتعاون يذهب أولاً إلى أبناء الوسط اليساري المختلفين وغير المتطابقين، بل المتشابهين فقط في انتمائهم إلى قضية التغيير الديمقراطي، وإلى قضايا الحرية والعدالة والمواطنة، وكل القضايا الإنسانية والاجتماعية ذات الصلة. عليه، يصير مطلوباً أن يغادر اليساريون المتساجلون وضعية مناصبة الفرقة للقريب اليساري، وفي ذات الوقت البحث عن كل ما يبرر التعاون مع من يقف على الطرف النقيض لكل اليسار.

الأزمة صعبة، لكن مقاربتها غير مستحيلة، والعمل شاق، فمن أراد القيام بأعبائه عليه أن يدرك أنه يقوم "بحفر الجبل بإبرة"، هذا يتطلب وعياً بالصبر، ووعياً بأن اليسارية الحقيقية تكون حيث يكون مستقبل ومصالح شعبها. مرَّةً أخرى إلى العمل، مهما كان مردوده ضئيلاً، فليس أمام اليساري إلاّ العمل التجديدي التغييري الجاد، وما سوى ذلك خمود يساري يطول، يطول ويصير مواتاً!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها