بدأ أهالي الموقوفين الإسلاميين يستعدّون لتلقّي ما يعتبرونه "صفعة غدرٍ" من رئيس الحكومة سعد الحريري. كلّ المؤشرات تصبُّ في نتيجة واحدة: لا إقرار لقانون العفو العام قبل 6 أيار 2018. مسارٌ طويلٌ من الوعود والإضرابات والاعتصامات، بقي خلاله الأهالي متمسكين بخيط الأمل الذي ربطهم به الحريري.
ومع تخفيف الأهالي وتيرة تحركاتهم من دون فكّ الاعتصامات في طرابلس وصيدا والبقاع، إلى جانب تعليق الموقوفين في سجن رومية إضرابهم عن الطعام الذي حمل شعار "الحرية أو الموت"- رغم معلومات تشير إلى أنّ تعليق الإضراب كان إجباريّاً وتحت الضغوط- تجاوب أهالي الإسلاميين مع تطمينات الحريري إثر موافقته على تعديل مسودة قانون العفو، على أن يشمل الجزء الأكبر من أبنائهم.
في كانون الثاني 2017، اجتمع الحريري بأهالي الموقوفين ووعدهم ببذل قصارى جهده للعفو عن أبنائهم. وطوال هذه الفترة، استمر الجدل والنقاش حول آلية إقراره في ظل عقبات كثيرة تعترضه تحتاج إلى توافقٍ سياسيٍ بين جميع الأطراف. بدت مسألة إقراره قبل الانتخابات محسومة. وكلّ من كان يشكك أو يسأل عن نيّة إقراره من عدمها، كانت تعتبره أوساط الحريري مصطاداً في الماء العكر لتأجيج الشارع السنّي ضدّه. أبدى الحريري إيجابيّة كاملةً خلال لقائه الأخير مع هيئة العلماء المسلمين، وأعطاهم وعداً جديداً بتعديل مسودة القانون والنظر بمقترحاتهم، ثمّ كلّف النائب عقاب صقر بمهمة التواصل مع الأهالي الذين حاولوا صرف النظر عن احتمال "الخديعة".
فما كانت النتيجة؟
جزءٌ من النتيجة السلبيّة، بنظر الأهالي، بدأ يتضح عبر الاتصال الذي أجراه صقر بمحامي الموقوفين الإسلاميين محمد صبلوح، السبت في 14 نيسان 2018، حيث أخبره عن صعوبات تعرقل إنجاز ملف العفو، من دون أن يؤكد تأجيله، بانتظار عودة الحريري من القمة العربية الاثنين في 16 نيسان. استشفّ الأهالي من إشارة صقر للصعوبات، تمهيداً لنسف قانون العفو. وهو ما تؤكده مصادر رسميّة تواصلوا معها، لاسيما أن أسبوعاً واحداً يفصلهم عن الجلسة الأخيرة لمجلس النواب في 21 نيسان.
في الشارع السنّي، تتجه أوساط الحريري وجمهوره إلى تحميل رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي مسؤولية عرقلة قانون العفو. التصعيد ضدّ ميقاتي ومحاولة رمي الملف على عاتقه، انفجر الجمعة في 13 نيسان، نتيجة معلومة نشرها موقع Lebanon 24 الالكتروني التابع لميقاتي، تفيد عن فتح قنوات التواصل على أعلى مستويات بين الحزب العربي الديمقراطي وتيار المستقبل في طرابلس بهدف عودة رفعت عيد من سوريا إلى جبل محسن بموجب قانون العفو العام في حال جرى تمريره، مقابل تجيير الصوت العلوي في الجبل لمصلحة مرشحة المستقبل عن المقعد العلوي ليلى شحود في دائرة الشمال الثانية.
هذه المعلومة، وإن كانت تحمل وجهاً من الصحّة، لاسيما أنّ عيد نفسه سبق أن غرّد على حسابه في توتير، في 16 آذار 2018، مشيراً إلى تواصله مع معظم القوى السياسية الطرابلسيّة، إلى جانب هاشتاغ أطلقه عدد من أبناء آل عيد مع أهالي المبعدين في جبل محسن #مفي_عفو_مش_رح_ننتخب. ورغم أنّ مصادر الحزب العربي في جبل محسن تؤكد لـ"المدن" رفضها لمنطق المقايضة، باعتبار أنّ عيد من حقّه العودة إلى منطقته ومحاكمته محاكمة عادلة، لكنّ معلومات أخرى تشير أنّ عيد كان مستعداً لأيّ مقايضة تضمن عودته، حتّى لو كان ثمنها اعطاء الصوت العلوي للمستقبل.
وعلى هذه القاعدة، دخل قانون العفو المسيّس في الأصل بازار المعركة الانتخابيّة. لكن أوساط ميقاتي تعتبر أنّ رمي المسؤولية عليه هي محاولة هشّة وسطحيّة من باب التهرب من مسؤولية الوعود التي أطلقها الحريري. وتسأل: من هي الجهات الرسمية التي تملك سلطة القرار في هذا الملف، ميقاتي أم الحريري؟
في هذا الوقت، ينتظر أهالي الاسلاميين عودة الحريري من القمة العربية. وهم يرفضون ربط إفشال ملف العفو بأيّ جهة غير الحريري، ويستمرون بإطلاق شعارهم: "وين الوعد يا سعد". كذلك، يعبر الأهالي عن استيائهم وخيبتهم نتيجة الشعور بالاستغلال والخيانة، وهناك مساع لتهدئة تحركاتهم في الشارع كي لا يتأجج التصعيد قبل عودة الحريري.
وفي السياق، يؤكد مصدر رسمي لـ"المدن" أنّ الحريري لم يُطلع رئيس مجلس النواب نبيه برّي بعد على مسودة قانون العفو، رغم ضيق الوقت. ما يعكس عدم جديّته، مقابل عدم رغبة حزب الله بالعفو. وهو ما يضع الحريري في مأزقٍ حقيقي أمام طائفته عشية الانتخابات.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها