الثلاثاء 2018/01/23

آخر تحديث: 11:20 (بيروت)

من أجل ندى ودعاء وضحايا أخريات: لا للعفو

الثلاثاء 2018/01/23
من أجل ندى ودعاء وضحايا أخريات: لا للعفو
العقاب القضائي لم يكن حلاً ولن يكون (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

بدايةُ أسبوعٍ دمويّة، وبدل الضحيّة ضحيتان. ندى ودعاء، سالتْ دماؤهما في يومٍ واحد، الاثنين في 22 كانون الثاني 2018. ندى لم يُسعفها الحظّ لاستئناف العيْش مرّةً ثانيّة، ودعاء نجتْ بأعجوبة. تلقتْ ندى الضربة القاضية، ولم يُحسن جسدها مقاومة 9 رصاصات. أمّا دعاء، فواجهتْ ألم الموت أمام أطفالها، لكنّ السكينة التي غُرستْ فيها، لم تفلح في اقتلاع روحها.

الجريمتان مختلفتان. لكنّ المجرم واحد، هو الزوج. ثمّة شيءٌ من البرودة وقلّة التأثُر. ربما لا نُلام. فأخبار النساء اللواتي قُتلن على يد أزواجهن، أصبحت جزءاً من يومياتنا. نتلقاها دوريّاً مثلها مثل خبر ارتفاع سعر صفيحة البنزين. فعلُ الجريمة يفقد قيمته شيئاً فشيئاً. ورغم الصرخات التي تُطلق في كلّ مرّة، من مواطنين ومدنيين وحقوقيين ومنظمات تُعنى بحماية النساء، لا شيء يتغيّر. أسهم المغدورات ترتفع، والضحية لا تغدو كونها "عدداً" يُضاف إلى لائحة ضحايا العنف الأسري.

ندى ودعاء، لن تكونا خاتمة أحزان المعنفات أسريّاً في لبنان. هما مثل غيرهما، فاتحةٌ جديدة لنساءٍ يُقتلن معنوياً، وستواجه أجسادهن لاحقاً فنوناً متنوعة من القتل على يد أزواجهن.

بعد هاتين الجريمتين المروعتين، ارتفعت أصوات منادية بعدم إدارج جرائم قتل النساء تحت خانة "نتائج السلاح المتفلت في لبنان". وفي ذلك شيءٌ من الحقّ. لأنّ "ضحايا العنف الأسري" من النساء، يُشكلن في لبنان خانةً قائمةً بحدِّ ذاتها، بعدما أخذت الظاهرة منحىً خطيراً، ولا يمكن إدراجهن تحت عناوين فضفاضة، تتغاضى عن الأسباب الحقيقيّة لظاهرة قتل النساء.

جرائم قتل الزوجات على يد أزواجهن، تحصل في البيوت؛ أيّ خلف الأبواب التي ليس منطقياً أن تحرسها القوى الأمنية لحماية النساء. من ينوي قتل زوجته لا يحتاج إلى توفير فرصة "السلاح المتفلت". هناك بدائل من إطلاق النار، كالسكين والخنق والأدوات الحادة والنار والحجار.

وفي بلدٍ مثل لبنان، العقاب القضائي لم يكن حلاً ولن يكون. كذلك، الرجل لا يتحمل المسؤولية وحده. لأنّ العنف بحقّ النساء، هو نتيجة تراكمات قبل الوصول إلى ذروته، أيّ لحظة القتل التي ينفذها الزوج بدمٍ بارد. هذه التراكمات، من تمييز وإجحافٍ وتعدٍّ على حقوق النساء في المجتمع وقوانين الأحوال الشخصية، سلبت منهن الحقّ في امتلاك أنفسهن، وعملتْ على الغائهن معنوياً وماديّاً قبل قطع أنفاسهن.

هؤلاء النساء اللواتي قُتلن، والمهددات بالقتل أيضاً، لا يتمتعن بأدنى حدود الاستقلالية. لقد بلغن من الضعف والانكسار ما جعل منهن فريسة، وبلغ أزواجهن من القوّة و"التميّز" ما جعلهم وحوشاً.

حيال هذا الواقع، لا تأخذ الدعوات الأخيرة لإقرار قانون العفو العام بالاعتبار حقّ الضحايا. وفي حالة النساء (الزوجات)، ثمّة تعزيز لظروف الجريمة. فالزوجات المسلوبات من حقوقهن، يعشن مع أزواجٍ تتوفر لديهم محفزات العنف بمختلف أشكاله. وما نشهده أخيراً، يُشبه السباق الماراثوني لحصد الأرواح قبل إقرار قانون العفو، للاستفادة منه لاحقاً. هذا القانون، الذي لن يحقق العدالة من دون محاكمات تُنصف الضحايا أولاً، إنما يعمل على الالتفاف عليها وتجاوزها، كي يؤسس لظلمٍ أكبر سيأتي من بعد إقراره.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها