السبت 2018/01/13

آخر تحديث: 06:53 (بيروت)

هؤلاء هم مهربو البشر بين سوريا ولبنان.. من يحميهم؟

السبت 2018/01/13
هؤلاء هم مهربو البشر بين سوريا ولبنان.. من يحميهم؟
الدخل اليومي للمهرب أحياناً 10 آلاف دولار (لوسي بارسخيان)
increase حجم الخط decrease

رغم الإدانة التي توجه في القرى الحدودية اللبنانية إلى ظاهرة "تهريب الاشخاص" المستفحلة منذ الأزمة السورية، يكاد المهرب يكون شخصية "مبهمة"، لا أحد يرغب بذكر اسم له أو عنوان. حتى قانون العقوبات اللبناني، الذي أفرد مواد لتعقب مخالفي شروط إقامة "الأجانب" في لبنان، واستحدث قوانين لمنع "الاتجار بالأشخاص" وعمل على ملاحقة مهربي البضائع، لم يذكر "مهرب الأشخاص".

لكن المهربين ليسوا مبهمين فعلاً، بل تجمع البيئات التي تحضنهم على أن الأجهزة الأمنية تعرف هويتهم جيداً، وقادرة على بلوغهم بسهولة. بل إن عدم جدية السعي للحد من ارتكاباتهم حتى الآن، وسع نطاق "خدمتهم" وفقاً لشبكة علاقات نُسجت في تجمعات السوريين، سهلت العثور فوراً على مهرب لمن يحتاج إلى التسلل إلى خارج لبنان أو داخله.

قانونياً، يشرح المحامي توفيق رشيد الهندي أن قانون تنظيم الدخول إلى لبنان والاقامة فيه الصادر في العام 1962، والمعدل في العام 2000، يعتبر دخول "الأجنبي" عبر المعابر غير الشرعية وبدون الوثائق والسمات القانونية "جنحة"، يعاقب مرتكبها بغرامة مالية وبالحبس لمدة تراوح بين شهر وثلاث سنوات أو باحدى هاتين العقوبتين. عليه، يصبح فعل المهرب خاضعاً لأحكام المادة 219 من قانون العقوبات، التي تجرم كل متدخل بجناية أو جنحة، محدداً اياه "بمن أعطى ارشادات لاقتراف الجناية أو الجنحة، ومن قَبل بناءً لمصلحة مادية أو معنوية عرض الفاعل وساعده أو عاونه على الأفعال التي هيأت الجريمة، وكان متفقاً مع الفاعل أو أحد المتدخلين قبل ارتكابها، وساهم في اخفاء معالمها".

لكن بالنسبة إلى المهربين "لا خطأ" في ما يرتكبونه. بل هم يلبون حاجة السوريين إلى التردد إلى بلدهم. وما يقومون به ليس مختلفاً عن تهريب البضائع، الذي كان رائجاً قبل الأزمة السورية. حتى لو كانت تلبية هذه الحاجة خاضعة لتسعيرة يتحكم بها المهرب نفسه، وتحددها "مصداقيته" كما يروى عنه في تأمين سلامة "قافلته" ووصولها الآمن. لكن التسعيرة دائماً أعلى بالنسبة للداخلين إلى لبنان، حيث شروط استخدام المعابر الشرعية أصعب بكثير. كما أن هذه التسعيرة ترتفع إذا تضمنت خدمات إضافية، نادراً ما تستخدم كالهودج، أي البغل، الذي يحمل عليه كبار السن والمرضى في الحالات الصعبة.

في الدخول إلى لبنان، يحكى عن عناصر من الجيش السوري "متواطئة" مع المهربين، الذين تشكل مراكزهم نقاط التقاء المجموعات قبل أن يتسلمها "الراعي" في اتجاه الأراضي اللبنانية. أما في الخروج منه، فهناك مواعيد التقاء متفق عليها في القرى الحدودية، لتسيير "القوافل" التي يمكن رؤيتها في جبلي الصويري ووادي عنجر بالعين المجردة نهاراً، وباتت تختبئ بجنح الظلام منذ تشدد الجيش اللبناني بملاحقتها في الفترة الماضية. لا تتخطى المسافة سيراً لتتجاوز حواجز الأمن العام، مدة ساعة، وهي أقرب وأسهل من بلدة الصويري، حيث يسير المهربون نحو 40 دقيقة ليصلوا إلى منطقة جديدة يابوس، كما يشرح رئيس بلدية الصويري حسين عامر.

في الجرود الجبلية، يبقى الراعي الأعلم بجغرافية المواقع، وهو اجمالاً سوري الجنسية، من الزبداني أو الكفير ومضايا، ويخضع لأوامر "معلمه" ولا يجرؤ على مخالفتها، مقابل أجر لا يتعدى 50 ألف ليرة على كل نقلة، فيما يوازي دخل المهرب اليومي أحياناً 10 آلاف دولار في قافلة أو قافلتين تضمان أكثر من 50 شخصاً.

لم يبد أبناء القرى التي تحضن المهربين انزعاجاً منهم سابقاً، إلى أن تزايدت "الحوادث الإنسانية" الناتجة عن تهريب الأشخاص، وآخرها انفجار الألغام الأرضية ببعضهم، ولفظ البعض أنفاسهم في منتصف الطريق الشاقة. وما لم يفضح حتى الآن هو ما يروى عن ابتزاز المهربين بعض "الزبائن" وعائلاتهم والتهديد بحجز حرياتهم وصولاً إلى محاولات الاغتصاب، طمعاً بتحقيق مزيد من الأرباح. ما أثار أخيراً نقاشات جدية في بلدة مجدل عنجر تحديداً، بشأن اقتراح قدم لاتخاذ البلدية صفة الادعاء العام للحد من الظاهرة، والسعي لدى الأجهزة المعنية لازاحة "الغطاء" عن ارتكابات وصفها رئيس بلدية مجدل عنجر سعيد ياسين لـ"المدن" بـ"العهر"، متفقاً مع رئيس بلدية الصويري في توجيه أصابع الاتهام إلى "أشخاص طارئين دخلوا على خط التهريب، معظمهم من السوريين، بعدما اكتسب هؤلاء خبرة بمسالك التهريب، وبينهم نساء".

إلا أن محاولات التنصل من بعض الارتكابات عبر لصقها بالحلقة الأضعف التي يشكلها الراعي "الفاتح على حسابه"، كما يقول البعض، لا تقنع عارفي المهربين. يتحدث عضو المجلس البلدي السابق محمد جلول عن ارتباط الارتكابات بالأشخاص الذين يحظون بالتغطية، وهؤلاء عموماً يُصرف النظر عنهم مقابل تحولهم إلى مخبرين لدى الأجهزة الأمنية.

ويشير عضو مجلس بلدية مجدل عنجر المحامي محمد عجمي إلى أنه "صحيح أنه دخل كثير من السوريين على خط التهريب، لكن هناك رؤوساً كبيرة محمية يجب أن تحاسب. إذ لا يجوز أن يلقى القبض على المتدخل، بينما المستفيد الأكبر لا يمس".

لكن، حتى عند ملاحقة غير المحظيين، تتحدث مصادر قانونية عن امتناع المهرب عموماً عن طلب محام للمرافعة عنه إذا قبض عليه، كونه مطمئناً إلى أن حكمه لن يتجاوز الشهر حداً أقصى، ليعود ويزاول نشاطه بعد فترة قصيرة. من هنا، يرى عجمي حاجة إلى التشدد مع من تتكرر ارتكاباتهم ويمارسون الابتزاز، وصولاً إلى السجن سنة إذا اقتضى الأمر.

في محكمة جب جنين، تجرأ القاضي الجزائي المنفرد فادي العريضي في آذار 2017 على الاجتهاد في تغيير وصف جرم "التهريب" من جنحة إلى جناية، متوسعاً وفق المفكرة القانونية في "تفسير المصطلحات المستخدمة في قانون معاقبة جرائم الاتجار بالبشر، الصادر في العام 2011، إلى حد طرحه تعديلاً على القانون ليطاول مهربي الأشخاص". فهل تشكل الارتكابات المتشعبة للمهربين حافزاً للأخذ بالاقتراحات المشابهة للقضاة؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها