الثلاثاء 2017/09/26

آخر تحديث: 10:42 (بيروت)

عون ينتقم في فرنسا

الثلاثاء 2017/09/26
عون ينتقم في فرنسا
لا يعارض عون الدخول في مفاوضات مع النظام السوري لإعادة اللاجئين (Getty)
increase حجم الخط decrease
انتقم ميشال عون من التاريخ. بعد اثنتي عشرة سنة عاد إلى فرنسا رئيساً للجمهورية لا لاجئاً. حاول استنساخ عودته الفرنسية، بعودته اللبنانية يوم السابع من أيار 2005، فنظّم له محازبوه ومناصروه في العاصمة الفرنسية، استقبالاً شعبياً إلى جانب الاستقبال الرسمي، يحاكي في رمزيته الاستقبال الشعبي اللبناني له في ساحة الشهداء يوم عودته. يستحق عون وصفه بأنه الرجل الذي امتاز بالإنتقام من التاريخ، بمعزل عن الإختلاف معه في السياسة وفي شتى المواقف والمجالات. لا يمكن نكران صلابة الرجل، تصميمه والسعي نحو تحقيق غاياته أو أحلامه. وإن كان عون طاعناً في السنّ، فهو أيضاً طاعن الزمن.

يذهب عون رئيساً إلى فرنسا، ولا ينسى صفة اللجوء السياسي التي خبرها هناك طوال خمسة عشر عاماً. يذهب مثقلاً بملف اللجوء، ويكاد يكون الملفّ الأبرز والأهم الذي يريد بحثه، وإيجاد مخرج وحلّ ملائم له. هنا، يلعب القدر لعبته، كأنه يحاول ردّ الاعتبار بوجه عون، فرئيس لاجئ، يذهب إلى دولة لجوئه، لبحث كيفية إخراج لاجئين آخرين، هربوا قسراً إلى بلد يترأس جمهوريته. قد يعيش المرء صراعاً بين لجوئه ورئاسته، لكن عون واضح في موقفه، يميل الى الثانية، التي كانت بنداً أول على جدول اجتماعه بنظيره الفرنسي، إذ شدد أمامه على وجوب حلّ الأزمة السورية، وإعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم.

والد رئيس النظام الذي هجّر السوريين، هو الذي كان قد هجّر عون من قبل، فاكتسب صفة اللجوء في فرنسا. حالة عون الشخصية التي اختزلت حالة عامة في العام 1990، تتكرر اليوم مع مئات الآلاف من البشر، مع النظام نفسه، فيخرج أحدهم ليصرخ قائلاً: "ماذا لو دخلت فرنسا في مفاوضات مع بشار الأسد، لأجل إعادة اللاجئين إليها هرباً منه إلى أحضانه أو إلى لبنان الذي كان بين براثنه؟ هل كان لعون أن يصبح اليوم رئيساً للجمهورية، ويذهب إلى فرنسا للمطالبة بطرد اللاجئين، أو رميهم بين براثن قاتلهم؟". هي لعنة التاريخ.

لا يعارض عون الدخول في مفاوضات مع النظام السوري لإعادة هؤلاء، والمقارنة لا تستقيم بالنسبة إليه أو إلى من يعرفه، لأن حجم اللجوء السوري فاق قدرة لبنان على التحمّل، وهو المثقل أساساً باللجوء الفلسطيني، فأكد أن لبنان لن يسمح بالتوطين، هو يعاني منذ أربعين عاماً من هذه الأزمة ولا يزال يتصدى لها، وقد لاقاه نظيره الفرنسي على الموقف نفسه، بضرورة الحفاظ على لبنان بتركيبته والعمل على إيجاد حلّ سياسي للأزمة السورية وإعادة اللاجئين إلى سوريا. وفيما ألمح عون إلى إمكانية التنسيق مع النظام السوري لتحقيق ذلك، لم يلق معارضة فرنسية، بل إن الرئيس الفرنسي اعتبر أنه لا بد من إعادة آمنة للاجئين إلى أراضيهم.

وللزيارة أهدافها الأخرى، كتثبيت العلاقة العميقة بين لبنان وفرنسا. وهذا ما شدد عليه الرئيسان استناداً إلى التاريخ ووقائعه، بالإضافة إلى حضور الموضوع الإقتصادي بقوة، إذ حاول عون الايحاء للفرنسيين بضرورة تنظيم مؤتمر إقتصادي جديد لدعم لبنان، على شاكلة مؤتمرات سابقة، فيما بعض المؤشرات تفيد بأن عقد مؤتمر باريس 4، دونه صعوبات في هذه المرحلة، أولاً بسبب الوضع الدولي، وثانياً بسبب الوضع السياسي في البلد، ولا سيما الدور الذي يلعبه حزب الله، والفيتو الدولي الذي يستجلبه الحزب على لبنان، بأنه لا يمكن عقد أي مؤتمرات داعمة لإقتصاد البلد فيما هو خاضع لسطوة الحزب وسيطرته.

أثبت عون، أنه قادر على استعادة ما خسره، ولو بعد حين، عاد إلى فرنسا رئيساً لا لاجئاً، لكن القدر لا يرحم، يسخّر أحداثه لمقارعة الراغبين بالانتقام منه، فتظهر الحياة وكأنها مضمار صولات وجولات من الانتقال والإنتقام المضاد. قبل أشهر، استقبل عون مضيفه الفرنسي في قصر بعبدا، بصفته مرشّحاً للرئاسة الفرنسية، والإثنين حلّ عليه ضيفاً في الإيليزيه. لكن سطوة التاريخ والقدر حاضرة. على هامش استعادة عون لمجده المعنوي، والثأر من لجوئه، وفرض نفسه نداّ لرئيس الجمهورية الخامسة، فهو يتأبط ملفّاً يؤرّقه، وكيفما تناوله، لا يبارحه الأرق أو القلق، في ما بين ملفّ اللاجئين، وذاكرة لجوئه.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها