الخميس 2017/09/21

آخر تحديث: 00:08 (بيروت)

ما الذي يُخيف الرئيس بري؟

الخميس 2017/09/21
ما الذي يُخيف الرئيس بري؟
رئيس المجلس ليس من النوع الذي يخاف من ظِلّه (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

تبدو العلاقة بين تيار المستقبل وحزب الله، في الظاهر، على حدّ السكّين... هذا هو الشائع في القرايا. أما في السرايا فالخبر مختلف... والحزب، وباللسان الحاد لنائب الأمين العام يعلن استعداده فتح حوار ثنائي مع رئيس الحكومة سعد الحريري. بعض الماء البارد على الرؤوس مُفيد في هذا الحرّ. في المقابل، بدا الرفض المتشدد الذي أعلنته مجموعة الرئيس فؤاد السنيورة داخل التيار الأزرق، مجرّد نمط متهاوٍ من رفع العتب لم يتسبب بأكثر من ضجيج خارج الغرفة. دعوة الحزب ما زالت مرفوعة... وزعيم المستقبل العائد مُطمئنّاً من البرّ الروسي، ليس مُستعجلاً على كبح جماعته، مُفضلاً الاستمرار في اعتماد سياسة الاحتواء طالما أنه يضمن عدم نشوء قوة عظمى أخرى منافسة داخل الطائفة. وهنا، لا يغيب عن جبين الرجل أن حزب الله هو القوة التي تتيح له أن يبقى الأقوى في طائفته، على حساب التشدد السُّنّي الذي يجتاح الإقليم.

الواقع أن التهديد الذي يشكله تنظيم داعش وأشباهه قد غيّرا من الواقع بما يكفي لجعل السيناريوهات البعيدة المنال سابقاً تبدو اليوم أكثر واقعية. الأهم في "رأس" المستقبل خلال هذه المرحلة ليس الإصلاح بل الاستمرار. وليرفع المعارضون داخل البيت عقائرهم ما شاءوا، فالصراخ في البرّية يشفي القلوب الكسيرة. وليقولوا ما يُعجبهم بدلاً من أن يفعلوا ما لا يُعجبه... هم يقولون ما يريدون قوله وهو يفعل ما ينبغي فعله. "التنفيس" من أصول اللعبة. وهذا كلّه صار مُتاحاً له منذ أن بات من دُعاة الواقعية.

يعود بنا هذا إلى ما حصل مع بول وولفويتز (حين كان مساعداً لوزير الدفاع الأميركي خلال حرب احتلال العراق). كان يهمّ بإلقاء كلمة له حين عارضه عدد من الحاضرين بجلافة وصرخوا بأنه "مجرم حرب وقاتل". لم يزعل الثعلب المستذئب يومها بل قال: "هذا ما هو جميل في هذا البلد. وما هو أجمل هو أن خمسين مليون شخص تقريباً من العراقيين ومن الأفغان يستطيعون التحدث الآن بهذه الطريقة من دون أن تقطع ألسنتهم".

هذا هو بالذات موقف الحريري اليوم. وفي غضون ذلك لا يرى حزب الله غضاضة لو انتظر قليلاً أو كثيراً. فهو يتقن لعبة الصبر الاستراتيجي. وسبق له أن ذاق ذلك النوع من الرفض الدونكيشوتي من قبل، ولم تسقط الدنيا ولا الحكومة ولا الوفاق، بل ازدادت أعداد الآذان التي تُصغي إليه. والعبرة تتجلّى بشكلها المُكبَّر في ما يدور (ويا للعجب!) بين طهران والرياض، رغم أنف العداوات الأصلية التي يبيتانها معاً. فقد أدرك السعودي أخيراً ما بُحَّ الإيراني وهو يكرره على مسامعه، من أنهما يواجهان تهديداً مشتركاً يتمثّل بالرؤوس السود. والمؤكد الذي لا يحتاج إلى دليل أنّ الحالة الراهنة في المنطقة الشرق-أوسطية عموماً تدعو إلى التشكيك في العديد من الفرضيات التي كانت متجذرة فيها منذ وقت طويل.

لعله زمن الرقص على الحافة، من بيونغ يانغ إلى بيروت. اللعبة محكومة بإبقاء الرأس فوق الماء لعدم إثارة حفيظة السمك. أيّ ضربة أميركية هناك ستكلّف واشنطن ثمناً لن يكون بوسعها تحمّله. وفي ظروف موازية، أي ضربة على رأس الحكومة هنا لن يتحملها البلد. اللجوء إلى التهدئة هو "إبرة بنج" وليس حلّاً. لكن من قال إن أوان الحلول قد حان؟ صحيح أن قارئة المستقبل تتحدث عن لقاء لا بد أن يجمع الحريري بالسيد نصرالله، وأن ذلك سيكون محطة ضرورية في رحلة الرئيس الدمشقية الثانية (وهو توسط الرئيس الروسي لتسهيلها، تحت عنوان الإعمار). وصحيح أن هذا لا يُعجب الآخرين، لكن لا بأس أيضاً، فقد اعتاد "هؤلاء الآخرون" على ابتلاع ما لا يُعجبهم... منذ اصطفاف زعيمهم الأول إلى جانب خصمهم الأول... وما تلا ذلك من عودة الحياة إلى قصر بعبدا بنكهته العونية الطاغية.

هنا، رأس كتلة جليد المشكلة الصاعدة بعيداً من الأعين. الرئيسان الأول والثالث احتلا الشاشة وفي ظنّهما أنهما وحدهما في البلد. لكن الرئيس الثاني العارف بما يوحّد مرحلياً بين صديقيه اللدودين، لم يقبلها منهما، فضرب على الطاولة متحدّثاً عن موجبات تقديم الانتخابات طالما أن لا بطاقة بيومترية. وجاء موقف الرئيس الذي جعل المناورات السياسية فنّاً راقياً، ليدقّ النفير على خلفية الصور العملاقة التي تحرس حراك البلد. ولحسن الحظ فالرئيس الأول منشغلٌ ببرنامجه النيويوركي، ما يترك الساحة الداخلية عندنا شبه مباحة "للأشطر". وهذا لا يحطم الكوب بل الرجل يتعامل بالأرقام وليس بالدخان، يسمع تقارير المنتفعين منه ووشاياتهم، لكنه ليس من صنف الرجال الذين يُحطِّمون الكوب، بل يسعى إلى استخلاصه من الأيدي ليضعه في متناوله. يعلم أن ما بين الرئيسين الآخرَين "قطبة" يخفيانها عنه... نوع من اتفاق ضمني لا يمكن ألّا يكون استهدافاً لفائض سلطانه. لذلك، يسارع إلى استلحاق نفسه والتذكير بأنه ما زال "ملك اللعبة"، حتى لو اضطر إلى اعتماد أيّ وسيلة كانت، ولو... "مبدأ التسجيل المسبق للناخبين في حال أرادوا الاقتراع خارج مكان قيدهم".

هنا، ينبغي العود إلى "أبجدية" الرجل السياسية. فحديثه التهويلي عن تطيير الانتخابات، لا يعني الرغبة في تطييرها بل تأكيد أبوّته لها. وهذا ما فهمه الخصم المقرّب الوزير جبران باسيل، فسارع بالردّ مستخدماً السلاح الذي يُطلق للخلف. وبين المتراسين المتقابلين، لا بد من ملاحظة أن الانتخابات، سواء في موعدها الأيّاري أو قبل نهاية العام الحالي، إنما عادت إلى كف العفريت.

وتبقى الأفضلية الآن لمواجهة المشكلة النابتة في تُربة البلد الخصبة: إعادة تفقيط الأوزان والأحجام بعدما اختلّ الميزان.

ولمن لم يقتنع (أو لا يريد أن يقتنع) ملاحظة أخيرة. لنتأمّل ملياً في تصريحات الوزير السعودي السبهان المُجتهد في إذكاء الخلافات البينية في لبنان. "حزب الشيطان" ليس مجرّد تعبير يمكن أو يصحّ تجاهله وكأنه لم يكن، خصوصاً وأنه يتكرر على جرعات مُدوزَنة. في المقابل، لا الحزب يردّ ولا الحريري يضمّ صوته إلى صوت الوزير السعودي، لا بل إن مصادر موثوقة في قوى الثامن من آذار تُثني على مواقف رئيس الحكومة سعد الحريري في ما يتعلق بالعلاقة مع حزب الله.

هذه العلاقة غير المُعلنة وثيقة إذن، وبالتالي فمن حق الرئيس بري أن يشعر بالقلق. والأنكى أن رئيس المجلس ليس من النوع الذي يخاف من ظِلّه.

لعلّه يقرأ تدحرجاً للاستقرار القائم نحو شيء من النشاط الزلزالي على خلفية المواقف الأميركية والإسرائيلية تجاه سوريا وحزب الله و"توطين المهجّرين في البلدان القريبة منهم" حسب كلمات دونالد ترامب.

عسى أننا أخطأنا الاستنتاج... أما هو فلم يحدث بعد أن أخطأ القراءة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب