الثلاثاء 2017/08/08

آخر تحديث: 00:26 (بيروت)

هكذا عملت "خليّة" منى بعلبكي

الثلاثاء 2017/08/08
هكذا عملت "خليّة" منى بعلبكي
التأديب اقتصر على منى بعلبكي.. ولكن ماذا عن "الخلية"؟ (ريشار سمور)
increase حجم الخط decrease
لا تقتصر فضيحة منى بعلبكي على ترويجها أدوية فاسدة بحسب ما تناقلت وسائل الإعلام، إنما هي سلسلة من المخالفات والفضائح، التي لا تشمل بعلبكي فحسب، إنما تشمل شخصيات بارزة في القطاع الاستشفائي من داخل مستشفى الحريري الحكومي ومن خارجه، فكيف بدأت القصة؟ ومن هم أبطالها؟ وكيف عملت "خلية بعلبكي"؟

مطلع العام 2009 وقعت حادثة في مستشفى الحريري الحكومي، شكّلت منفذاً للدخول الى حلقة فساد تُعد منى بعلبكي أحد أركانها، تمثلت الحادثة بإحضار زوج إحدى مريضات السرطان في المستشفى الحكومي (وهي تستفيد من الضمان الاجتماعي) دواءً مفوتراً من صيدلية خاصة ومرفق بالفاتورة الموقعة باسم أحد أبرز أطباء السرطان في المستشفى ر.جلول بصفته الطبيب المعالج.

وأحضر الزوج الدواء الى المستشفى باعتبار أن الطبيب المختص اشتراه من صيدلية خاصة لحساب المريضة على أن يستعيد ثمنه من الضمان الاجتماعي بعد تصديقه في المستشفى، ولدى الكشف على الدواء تبيّن أنه ممهور بختم وزارة الصحة العامة أي أنه غير مخصص للبيع. ما دفع الصيادلة في المستشفى الى رفض استلام الدواء الى حين تدخل منى بعلبكي واستلامها الدواء وتصديقها عليه. ما اثار بلبلة في المستشفى، فأقدم أحد الصيادلة على رفع شكوى بحق كل من بعلبكي وجلول وفُتح على إثرها تحقيق داخلي، ليتبين فيما بعد وجود مخالفات عديدة في قسم الصيدلة، بعضها كان يتم بعلم من الادارة.

وبنتيجة التحقيق الداخلي في المستشفى بقيت بعلبكي في وظيفتها تمارس المهمات نفسها ثم تمّ وقفها احترازياً عن العمل فيما بعد، مع استمرارها بتقاضي راتبها الشهري حتى العام 2012.

تلك الحادثة استدعت من إدارة المستشفى فتح تحقيق، ليتبيّن خلاله وجود مخالفات عديدة، فصدر تقرير من المستشفى عام 2012 وأحيلت القضية الى التفتيش المركزي، الذي أجرى تحقيقاته وأصدر تقريره عام 2014، وقرر إحالة بعلبكي الى الهيئة العليا للتأديب حيث استغرق التحقيق بقضيتها حتى العام 2017.

مخالفات بالجملة
"المدن" اطلعت على تقرير التفتيش المركزي المبني على تحقيقات أجراها المفتش ميشال ديب، وهذه خلاصة ما ورد فيه من مخالفات:

1- تورط منى بعلبكي وآخرين بتقاضي أموال غير مشروعة من المرضى واستغلال المستشفى في أمور محاسبية مخالفة. فمنى بعلبكي كانت تقوم بعملية "إعارة"، بمعنى أن المريض يأتي لتلقي علاج سرطان في المستشفى قبل استحصاله على الدواء من وزارة الصحة، فتقوم بعلبكي بإعارته الدواء نفسه من المستشفى وهو مخصص للبيع (غير مختوم من الوزارة) على أن يعاد الدواء الى المستشفى عند استحصاله من الوزارة. وهذا يُعد أمراً مشرعاً في المستشفى لتوفير الوقت على المريض، إلا أن بعلبكي وشركاءها كانوا يستغلون مبدأ الإعارة لأغراض أخرى، فكانوا يلزمون المريض بدفع مبلغ مالي كضمانة في صندوق خاص، خارج شبكة حسابات المستشفى.

ويبدو أن هذه الأمور كانت تحصل بعلم من الادارة العامة السابقة للمستشفى، بدليل أن تقرير التفتيش يقول أن المريض كان يدفع Deposit في صندوق تابع للمستشفى في حساب رقمه 99999، غير أن التفتيش لم يحصل على أي سجلات في المستشفى توضح اسماء مرضى السرطان الذين دفعوا مبالغ لحساب الصندوق أو تُبيّن حجم المبالغ وإذا ما كانوا استردوها أم لا. ما يعني غياب السجلات التي توضح حجم الأموال التي دخلت أو خرجت من الصندوق. وما يؤكد أن العملية "مشبوهة"، لاسيما أنها تحصل خارج الإطار المحاسبي العام للمستشفى.

2- ملف "الإعارة" ورغم خطورته إلا أنه فتح الباب على ملف أكثر خطورة هو أدوية الجنريك. ففي كثير من الأحيان كانت تتم إعارة المريض أدوية الجينيريك مقابل استعادة المستشفى أدوية Brand من وزارة الصحة وإعادة بيعها من قبل متواطئين.

تدور المخالفات في دائرة دواء Brand اسمه Vincristin مخصص لمرضى السرطان كانت بعلبكي تقوم باستبداله بدواء جنريك هو Cytochristin وهو دواء هندي دخل لبنان من طريق شركة Unipharm وبتوقيع من وزير الصحة الأسبق محمد جواد خليفة ولم يمر بآلية الاختبارات نفسها التي تمر بها الأدوية المستوردة.

وكانت وزارة الصحة تدفع الاطباء الى وصف الدواء الجنريك إلا أن غالبية الاطباء كانوا يمتنعون عن ذلك ويرفضون استخدامه بحجة ان الدراسات والاختبارات التي جرت حوله غير كافية. وهنا، برز دور بعلبكي باستخدام كميات كبيرة من دواء الجينيريك Cytochristin زهيد الثمن واستبداله مع أدوية Vincristine مرتفعة الثمن وإعادة بيعها فيما بعد لحسابها الخاص.

3- القضية الثالثة هي بيع الأدوية منتهية الصلاحية فمنى بعلبكي تمكنت من الدخول الى نظام المستشفى المعلوماتي "السيستام" لتعديل تواريخ صلاحية بعض العبوات لتتمكن من استخدامها.

وبحسب إفادتها في تقرير التفتيش فإن موضوع تعديل الصلاحية كان يجري يعود الى وجود كثير من الأدوية منتهية الصلاحية غير المتخصصة بعلاج السرطان. وقد حصلت من لجنة الأدوية الطبية في المستشفى (مشكّلة من اطباء) على إذن باستخدامها لأنها لا تلحق أي ضرر بالمريض لفترة زمنية معينة بعد انتهاء الصلاحية.

والسؤال هنا، بما أن استخدام أدوية منتهية الصلاحية كان يجري بإذن من المستشفى لماذا وكيف كانت تعمد بعلبكي الى تعديل تواريخ الصلاحية، لاسيما أن دخولها الى نظام المستشفى وتعديل تواريخ صلاحية لا يمكن أن يتم من دون علم اشخاص قيمين على النظام أي قسم IT أي المعلوماتية وربما الادارة؟

4- وفي قضية بيع كميات الأدوية المجانية التي تحصل عليها المستشفى من شركات الأدوية (العيّنات Samples)، فلم تكن بعلبكي تسجل الأدوية باسم المستشفى إنما كانت تقوم ببيعها لحسابها الخاص. ولم تكن الوحيدة المستفيدة من الأدوية المجانية، إذ قام أحد المدديرين العامين السابقين بتقديم جزء كبير من تلك الأدوية الى جمعية أجيالنا التي تشغل زوجته منصب عضو في هيئتها الإدارية.

5- ومن القضايا المذكورة في تقرير التفتيش المركزي أيضاً، عملية نهب ممنهجة لأدوية السرطان من وزارة الصحة العامة. وقد تم كشفها من خلال ورود اسم الطبيب ر. جلول في مصلحة التدقيق الداخلي للمستشفى.

وإحدى قضاياه أنه وصف دواء سرطان لمريضة تتلقى علاجها في مستشفى الحريري وهي قريبة إحدى الممرضات. وبعد الحصول على الدواء مجاناً من مستودعات الوزارة في الكرنتينا أودع في وحدة العلاج الكيميائي المتخصصة لمرضى السرطان في المستشفى. وتبيّن فيما بعد أن المريضة ليست مصابة بالسرطان إنما هناك تواطؤ بين الطبيب والممرضة لاحضار دواء السرطان وإعادة بيعه لمريض آخر، وليس اسم المريضة سوى اسم وهمي. وهذه طريقة جديدة مبتكرة لنهب أدوية وزارة الصحة.

6- وقد ربط المفتش عملية سحب أدوية للسرطان ممهورة بختم الوزارة وغير مخصصة للبيع من مخازن الوزارة على أسماء مرضى وهميين وبيعها لاحقاً، بقضية أخرى قد تكون على علاقة بها، وهي ضبط شاحنة مؤخراً كانت تعبر منطقة البقاع متجهة الى سوريا ومنها الى العراق وهي محمّلة بأدوية سرطان ممهورة بختم وزارة الصحة اللبنانية.

وقد ورد في تقرير التفتيش عن قضية نهب أدوية الوزارة والشاحنة ثلاثة أسماء من بينهم الوزير خليفة ومستشار المدير العام السابق وسيم الوزان، وهو ب. المصري الذي استقال من المستشفى منذ عام وتم تعيينه مديراً على إحدى المستشفيات في بيروت. وهو في الوقت عينه عضو في مجلس بلدية بيروت.

باختصار، كانت الإدارة السابقة للمستشفى تمنح منى بعلبكي صلاحيات وواسعة خلافاً للقوانين بمعنى أنها كانت تقوم بمهمات الشراء والاستلام وإدخال كميات الأدوية على النظام المعلوماتي وغيرها من المهمات. وهنا يكمن تناقض في المهمات، لاسيما لجهة الشراء والإستلام والقبض.

وبذلك تقوم الإدارة بتشجيع وربما تواطؤ مع بعلبكي على تجاوز مصلحة المشتريات ولجان الاستلام ومصلحة المحاسبة، حتى أن المدير العام السابق للمستشفى طلب من بعلبكي عام 2010، أي خلال فترة ايقافها عن العمل احترازياً، التوقيع على استلام أدوية للعلاج من المخدرات، وكل ذلك لم يغفل عنه التفتيش في تقريره إلا أن التأديب اقتصر على منى بعلبكي التي ارتكبت المخالفات، ولكن ماذا عن "الخلية" المتكاملة والموزعة بين وزارة الصحة والمستشفى ومؤسسات دستورية؟
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها