الثلاثاء 2017/08/15

آخر تحديث: 01:36 (بيروت)

ريان مكبّلة في المستشفى منذ 7 سنوات.. ومعها أسرتها

الثلاثاء 2017/08/15
ريان مكبّلة في المستشفى منذ 7 سنوات.. ومعها أسرتها
كيف يمكن لهذه الأسرة أن تستمر في توفير علاجات ابنتها؟
increase حجم الخط decrease

اللحظات الجميلة في حياتنا هي تلك التي نتذكرها من طفولتنا، حين كنا نلهو ونلعب مع أخوتنا وأولاد الجيران. هذا ما تفتقد إليه ريان، الطفلة التي لا تتذكر من طفولتها سوى غرف المستشفى والعمليات. منذ 7 سنوات وريان قبلان الحاج حسين مُكبّلة بقارورة الأوكسجين 24 ساعة على 24، وموصولة بجهازين تستنجد بهما أنفاسها، لكنها تتحدى بعزيمتها، ببسمتها البريئة وإيمانها القوي، واقعها الذي لا يمكن أن يحسدها أحد عليه. فما قصة ريان؟

ريان في 13 من عمرها، تقيم وأسرتها في منطقة النبعة، ولديها شقيقان، علي 12 سنة وغازي 6 سنوات. في حديث إلى "المدن"، يروي والد ريان، قبلان الحاج حسين: "كانت ابنتي في الشهر السابع من عمرها حين أصابتها حرارة مرتفعة جداً أسفرت عن التهاب قوي في الأمعاء يُطلق عليه مرض كرون، الذي بسببه باتت تعاني نقصاً في المناعة أدخلها في غيبوبة لازمتها في المستشفى نحو 8 أشهر".

أمضت ريان سنوات من طفولتها على سرير مستشفى أوتيل ديو تتعالج، تتألم وتأخذ كميات لا تُعد ولا تُحصى من الأدوية، وفق قبلان، "لعلّها تتعافى، إلا أن وضعها الصحي راح يتدهور تدريجاً، وشُخِّصت بنوع من التليّف الكيسي مع توسّع في القصبات الهوائية والتهابات رئوية متكرّرة تستدعي استشفاءً دائماً وأوكسجيناً متواصلاً في الليل والنهار، إضافة إلى معاناتها من دقات قلب سريعة. ما يعني أن دقات قلبها غير منتظمة".

يعمل رب الأسرة موظفاً لدى إحدى شركات البويا من الساعة السادسة صباحاً حتى السادسة مساءً، ويتقاضى راتباً لا يتعدى المليون ليرة شهرياً. يُسدد منه 300 دولار في الشهر بدل إيجار البيت الذي يأوي فيه أسرته. مع ذلك، لم يقصّر يوماً في تلبية واجباته الأسرية وتغطية تكاليف علاج ريان. لكن، مع تبدّل الظروف وغلاء المعيشة، يقول قبلان: "لم تعد امكاناتي المادية تسمح بمواصلة علاج طفلتي التي باتت حياتها في خطر. فهي تحتاج شهرياً إلى 13 نوعاً من الدواء، بمعدل 20 حبة في اليوم، وغالبيتها باهظة الثمن".

قبلان يرزح تحت الديون!
لا يمّر شهر إلا وتقصد ريان المستشفى، إما بسبب تراجع وضعها الصحّي الذي يستلزم بقاءها في أوتيل ديو بين أسبوعين أو ثلاثة أو أكثر، أو تمضي نصف نهار تقريباً في علاج المناعة بواسطة الحقن. وأحياناً كثيرة يُستدعى الصليب الأحمر اللبناني لنقلها إلى المستشفى بسبب دقة حالتها. ويبقى هم قبلان في "سداد ما يترتب عليَّ من مبالغ بعدما غرقت في ديون ناهزت 15 ألف دولار لعلاج ريان"، يقول، ويضيف بغصة: "كلما دخلت صغيرتي المستشفى بهدف تقوية مناعتها يُطلب مني دفع 200 ألف ليرة لبنانية كلفة فرق الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. هذا عدا عن الفواتير التي يترتب عليّ سدادها بعد أن تكون أنهت مرحلة من مراحل العلاج في المستشفى".

يسأل: "كيف يمكن لراتب مليون ليرة تأمين كل الحاجات الأساسية لأسرتي، توفير العلاجات والأدوية لريان، دفع 300 دولار بدل إيجار المنزل، كلفة الأقساط المدرسية، المأكل والمشرب وفواتير الكهرباء، المياه وغيرها؟".

ريان... تصارع الحياة
عندما تتكلم إلى هذه الطفلة المناضلة تكتشف كم هي جبارة، واضحة ومتصالحة مع نفسها. تمضي معظم أوقاتها في ممارسة هواية الرسم والتلوين، وتشاهد برامج تلفزيونية خاصة بالأطفال. وعن أوقات الألم التي تعيشها في المستشفى، تقول: "ينتابني شعور بالحزن، لكن الله يمنحنى قوة الصمود، وأتمنى أن أتعافى".

وماذا عن والدتها فاطمة، الأم التي تُضحّي بكل ما لديها لريان وأخوتها؟ لا تتذمّر من ضغوط الحياة اليومية، رغم المصاعب الصحية التي تعيشها ابنتها، والضائقة المادية التي تمرّ بها الأسرة وتعجز عن وصفها. تتحدّث فاطمة عن يومياتها التي تكرّسها للعناية بريان، قائلة: "التحقت ريان بالمدرسة في سن السابعة قبل أن يضطرها المرض إلى العيش مع جهاز أوكسجين أقعدها البيت بشكل متواصل، ولم تتمكن من إكمال سنتها المدرسية الثانية لعدم قدرتها على التنفّس طبيعياً. هكذا، حُرمت من العلم واللعب وأشكال الترفيه عن النفس". في قلب هذه الوالدة حسرة رافقتها منذ شاء القدر أن "تبقى ابنتي طريحة الفراش مع كل ما تتمتع به من ذكاء مشعّ وقدرة على الاستيعاب وتخطي المحن". وترى أن ريان تأقلمت مع واقعها الأليم، "وها هي تتحدى الألم والعذابات بإيمان ثابت وإرادة لا محدودة".

وعن علاقتها بأخويها الصغيرين علي وغازي، تقول: "يدركان وضع شقيقتهما جيداً، يحبانها كثيراً ولديهما الوعي الكافي لجهة تعاملهما معها والاهتمام بأمرها".

وعمّا إذا قصدت فاطمة جمعيات خيرية أو مستوصفات تؤمن لها جزءاً من الأدوية أو تساعدها مادياً؟ تجيب: "غالبية الأدوية غير متوفرة، أو يمكن الحصول على بعضها بغير تركيبة، وثمة دواء ليس متوفراً إلا في صيدلية أوتيل ديو وسعره 119 ألف ليرة لبنانية لا يغطيه الضمان، وقد تحتاج ريان إلى ثلاث علب منه شهرياً". تضيف أن هناك جمعية تساعدها في جانب من القسط المدرسي للولدين، "ومدير المدرسة يشعر معنا ويخفف ما يستطيع من قيمة القسط".

يستفيد قبلان من تقديمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، لكن لا يحق له الإفادة من مساهمات وزارة الصحة العامة بحسب القانون. والسؤال هنا، كيف يمكن لرب هذه الأسرة أن يستمر في توفير علاجات ابنته وتغطية تكاليفها الباهظة وهو يترقّب بقلق ما قد يؤدي بابنته إلى حياة شبه معدومة؟ ألا تستحق هذه الطفلة البريئة دعماً استثنائياً من وزارة الصحة كي تستعيد حياتها؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها