الجمعة 2017/07/07

آخر تحديث: 00:37 (بيروت)

هذا هو "بارون المخدرات" في مخيم شاتيلا والجوار

الجمعة 2017/07/07
هذا هو "بارون المخدرات" في مخيم شاتيلا والجوار
كان عكر مزدوج الشخصية حدّ الانفصام
increase حجم الخط decrease

كان الطفل بلال ابن الاثني عشر عاماً يؤذّن للصلوات الخمس في مسجد مخيم شاتيلا. تنبّأ بعض من سمع صوته، وجالسه، بأنه سيكون "أحد وجوه الإصلاح" في المخيم. فالذكاء بيّن، والبديهة حاضرة، و"صلاته تشهد له"، كما كان يردد بعض أهالي المخيم. كبر المؤذّن، ابن الشيخ عامر، وردّ أمل سكان المخيم خيبة على قدر أملهم، ليصبح المؤذنُ "بارون" المخدّرات بلال عكّر، كما سمّوه بعد سطوته على حياة عدد كبير من أبنائهم.

متناقض السلوك. مزدوج الشخصية حدّ الانفصام. لذلك كان الاختلاف بشأنه كبيراً حين قُتل قبل أيام. البعض فرِح. والبعض الآخر يسير في جنازته باكياً. تاجر مخدرات يشوّه شكل حياة أبناء المخيم، ويعطف على مريض فيعطيه 5000 دولار. يطلق النار على قدم رجل لسبب تافه، ثم لا يردّ على شتائم رجل ضعيف احتراماً. يُحسن لجار ويعتدي على آخر.

متناقض بتناقض مخيم شاتيلا. بدءاً بتسميته، فهو مخيم فلسطيني تسكنه أقلية فلسطينية. وهو المخيم الذي كانت منه مجموعة عملية ميونيخ، وعلي أبو طوق، وكانت منه أيضاً مافيا الكهرباء والأراضي والمخدرات. التناقض أيضاً في جيرانه. تيار المستقبل شمالاً وحركة أمل وحزب الله من الجهة الجنوبية. وكل طرف يحاول استمالة أهالي المخيم إلى معسكره. مَال بلال شمالاً بينما اختار قاتله وقتيله سمير بدران الجهة الجنوبية.

والده الشيخ عامر. متصالح مع الجميع. دفن خلال حرب المخيمات (1985-1988) نحو 800 جثة تعود لفلسطينيين، في قاعة المسجد الذي يؤمّ فيه. كان يمرّ بلال كل يوم من أمام المقبرة المسجد، ويرى قبر علي أبو طوق ورفاقه، ليصبح الموت جزءاً من حياته اليومية. ولم يكن ينقص تلك الذاكرة المعبأة غير حديث عن مذابح صبرا وشاتيلا، في العام 1982، وقصص القادمين من مخيم تل الزعتر الذين اختاروا العيش في مخيم شاتيلا بشكل خاص.

رسمت مشاهد القتلى طريق الشيخ عامر في الحياة، ودفعته باتجاه تصوّف وزهد، وصلا حدّ مشاركته بجنازة قاتل ابنه. ربّما كان لتصوّفه دور في اختيار بلال طريقاً نقيضاً. فكما تلتقي الأطراف في علم الرياضيات، كذلك هي تلتقي في علم الاجتماع. كان لقاؤها قاسياً هذه المرة، في بيت واحد، شيخ وتاجر مخدرات. ولم تثن نصائح الشيخِ تاجرَ المخدرات عن سلوكه، ولم تنفعه دعواته كذلك.

وُلد بلال بُعيد حرب المخيمات، بين زواريب لم تشهد سلطة أمنية منذ العام 1969. وغياب القانون تشغله قوة الفرد. يصارع أبناء جيله، فيرغمه والده مراراً على الاعتذار. يشهد المخيم بعد الحرب الأهلية اللبنانية في بداية التسعينيات تحولات كبيرة. ازدياد نزوح اللبنانيين إلى المخيم، خصوصاً من وادي أبو جميل، والذين سوف يسكنون المنطقة الشمالية بشكل خاص. تضاعف البناء العمودي لتلبية تلك الحاجة، وكذلك البناء في مساحات عامة. بنى سمير بدران نفوذه خلال تلك الفترة بشكل خاص. وأصبح اللبنانيون يشكلون نحو ربع سكان المخيم.

مع التوافد اللبناني، وبعد ذلك السوري، كانت هناك هجرة فلسطينية واسعة من المخيم. الوجهة هي بشكل خاص الدنمارك والسويد وألمانيا، وحيث أمكن للفلسطيني أن يهرب من المكان ليخفف أعباء ذاكرة مُثقلة بصور الدم. هاجر نحو نصف السكان، وبقي نصف آخر يحاول. كان السوريون الوافدون بهدف العمل يبحثون عن سكن رخيص، وجدوه في مخيم شاتيلا. ازداد عددهم بعد الأزمة في سوريا. هم اليوم نحو 40% من السكان، وثلث فلسطينيون، ونحو الربع لبنانيون، من مجموع يقترب من 30 ألفاً.

يكبر بلال في تلك البيئة. البطالة تصل إلى نحو 60%، وفق الأونروا. سوق العمل شبه مغلقة بوجه الفلسطينيين. ولم تضف زيارة وزراء لبنانيين مخيم شاتيلا، في العام 2005، أي جديد إلى المشهد، سوى توزيع بعض القبلات، ونثر قليل من الدموع. يصمم بلال على الهجرة. يحاول ويصل إلى ألمانيا، يجري ترحيله. ثم يحاول ويصل، فيجري ترحيله للمرة الثانية. عاد يائساً من ألمانيا.

شرع في تعاطي المخدرات وتوزيعها. مجازفاته المتكررة، مكّنته سريعاً من الوصول إلى لقب "بارون المخدرات" في مخيم شاتيلا والجوار. دماء كثيرة على بنطاله الجينز، كانت سبباً أساسياً في أن تجعل بلال عُكّر اسماً لا يجرؤ كثيرون على النطق به. كان واثقاً بقدرته وقوته جداً، حتى أنه هاجم تظاهرة ضد المخدرات في تشرين الأول الماضي تهتف ضدّه. أوصلته تلك الثقة إلى نهايته في 27 حزيران، في اشتباك هوليودي قُتل فيه سمير بدران أيضاً. بعد رحيل بلال، اجتمع ناشطون لإطلاق حراك كي لا تعيد ظروف مشابهة إنتاج حالات مماثلة لبلال.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها