الثلاثاء 2017/06/06

آخر تحديث: 07:02 (بيروت)

هذه ألاعيب تفريغ النسبية من محتواها

الثلاثاء 2017/06/06
هذه ألاعيب تفريغ النسبية من محتواها
النسبية على الطريقة اللبنانية: محادل وبوسطات (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

لم تتّضح بعد كامل معالم النسبيّة التي تمّ التوافق عليها بين قوى السلطة. لكن، ما بدر إلى الساعة من مداولات بشأنها يَشي بأنّ النسبيّة كنظام انتخابي لتمثيل فئات المجتمع كافة مازالت بعيدة المنال. فأقلّ ما يُقال في ما تمّ طرحه من "ضوابط" إلى حدّ اللحظة أنّ قوى السلطة تبيع اللبنانيين نظاماً انتخابياً إلغائيّاً تحت مُسمّى النسبيّة وعدالة التمثيل.

أولاً، لأنّ تقسيم لبنان إلى 15 دائرة انتخابية أتى على مقاس الأكثريّات الطائفيّة التي ستُحدّد الفائزين في هذه الدوائر. إذ توجد دوائر تضمّ خمسة مقاعد فقط، كما هي الحال في دائرة صيدا- جزين، وأخرى أحد عشر مقعداً كحد أقصى كما في دائرة طرابلس- المنية- الضنيّة. ومعلوم أنّ تقليل عدد المقاعد مقارنة مع عدد الناخبين يسحب بساط التمثيل من تحت أقدام الأقليّات ويحصر فرص الفوز بالأكثريّات.

ثانياً، لكون التقسيمات تشكّل عائقاً أمام إمكانية قيام تحالفات عريضة للقوى السياسيّة غير الممثّلة في السلطة، وللقوى المدنيّة المنتشرة على مساحة الوطن. ما يجعل تحالفات قوى السلطة متسيّدة في جميع الدوائر، ويجعل لوائحها ممرّاً إلزامياً لبعض الزعامات المحليّة تحت طائلة حرمانهم من إمكانيّة الفوز أو الحفاظ على مقاعدهم.

ثالثاً، لكون عتبة الحسم (النسبة الدنيا التي يجب على أيّ لائحة الحصول عليها) التي يبحث فيها لوضعها على أساس الحاصل الانتخابي أو على أساس نسبة 10% على مستوى الوطن لا الدوائر الـ15، تُعتبر مرتفعة جداً. ففي دائرة مثل زغرتا- الكورة- بشري- البترون، إذا ما اعتُمد الحاصل الانتخابي ستكون عتبة الحسم نحو 10% (في حال وصلت نسبة الإقتراع إلى 50%)، بينما في دائرة مثل صيدا- جزين ستكون نحو 20%. علماً أنّ أعلى عتبة حسم معتمدة في الدول التي تعتمد النسبيّة لا تتخطى الـ10%، كما هي الحال في تركيا، وهي تُعد نسبة مرتفعة جداً. أما العتبة المُعتمدة بشكل عام فلا تتخطّى الـ5%.

لكن، رغم عدد الدوائر المرتفع ستتمكّن القوى السياسيّة والمدنيّة غير الممثّلة حاليّاً من الخرق بمعظم الدوائر بنحو 12 مقعداً، في حال اعتُمدت عتبة حسم لا تتجاوز الـ5% على مستوى الدائرة الانتخابية. فعلى سبيل المثال، سيتمكّن تحالف اليسار والمستقلّين من الخرق بثلاثة مقاعد في دوائر الجنوب الثلاث. وهذا الأمر يسري على معظم الدوائر. لكنّ جعل عتبة الحسم مساوية للحاصل الانتخابي سيحرم هذا التحالف من الحصول حتى على مقعد واحد.

رابعاً، في حال اعتُمدت عتبة حسم وطنيّة بنسبة 10% تُصبح النسبيّة اللبنانية نظاماً هجيناً بمحتوى أكثري إلغائي طاغٍ على المحتوى النسبي ومؤدّاه. ليس هذا فحسب، فإذا كان رفع عدد الدوائر (15 دائرة) يجعل لوائح الأكثريّات "بوسطات" تحرم الأقليّات الفوز إلا في حال صعدوا فيها، فعتبة الحسم الوطنيّة 10% التي تساوي نحو 200 ألف صوت تجعل النسبية "محدلة" لا تضاهيها محادل الأنظمة الأكثرية التي اعتُمدت في لبنان إلى حد اليوم. وإذا كانت بعض الزعامات المحليّة تستطيع خرق لوائح الأكثريّات في بعض الدوائر رغم عتبة حسم مساوية للحاصل الانتخابي، فإنّ اعتماد عتبة الـ10% الوطنية تُلزم جميع الزعامات الإنصياع إلى رغبة الأكثريّات تحت طائلة الإقصاء. بالتالي، ستكون ملزمة بالصعود إلى محادل الأكثريات الثلاث التي تعمل على وضع القانون الانتخابي المُنتظر.

أما بدعة الطروحات تحت مُسمّى "ضوابط" على النسبية لتأمين عدالة التمثيل، فتكمن في وضع عتبتين للنسبية لا واحدة. فإضافة للعتبة الأولى الآنفة الذكر يريد التيار الوطني الحر كما ذكر رئيسه جبران باسيل، عتبة ثانية للمرشحين، أي فرض نسبة دنيا من الأصوات التفضيليّة تفرض على أيّ مرشّح الحصول عليها للفوز بالمقعد. ولكون النسبيّة قائمة على فكرة اللائحة كوحدة متكاملة لا على المرشحين كأفراد، فهذا سيضرب فكرة النسبيّة من أساسها. ففكرة اللائحة هي التي تجعل النسبيّة نظاماً يُشجّع على التحالفات العريضة القائمة على البرامج السياسيّة لأنّها تؤخذ كتحالف قوى وتكتلات سياسية. بينما فرض عتبة على المرشّح الفردي يجعلها قائمة على الأفراد والمفاتيح الانتخابية، كما هي الحال في النظام الأكثري. هذا فضلاً عن كون هذه العتبة تؤثّر مستقبلاً على فكرة نشوء أحزاب وطنيّة لمصلحة المرشّحين الفرديين الأقوياء. ما يؤدي إلى إضعاف التحالفات السياسية "البرنامجية" التي تُتَرجم في تشكيل اللوائح. وصحيح أنّ فكرة "الصوت التفضيلي" أتت لمنح الناخب الحق في تفضيل مرشح بعينه على اللائحة وبالتالي رفع نسب المشاركة، لكن فرض هذه العتبة سيجعل الناخبين يقترعون للأفراد.

كما أنّ "الضوابط" التي توضع للنسبيّة تجعل الأقليّات الطائفيّة كُتلاً متراصّةً للدخول في لوائح الأكثريّات. وستكون هذه الأقليات مُجبرة على هذا الخيار كي تحافظ على مقاعدها حتى ولو عبر ممثلين تختارهم لها لوائح الأكثريّات. فعلى عكس الزعامات المحليّة المتجذّرة في بعض المناطق، مثل كسروان أو جبيل أو البترون وزغرتا... التي تستطيع منافسة لوائح الأكثريات، فإنّ مدى تأثير الأقليّات في عمليّة التصويت ضئيل. وبالتالي لا خيار أمامها إلا ركوب "البوسطات".

والحال فإن النسبيّة، وفق ما يتمّ التداول في بعض "ضوابطها"، نظام ليس فيه شيء من النسبية إلا الاسم. فعن أيّ نسبية نتحدّث؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها