الجمعة 2017/04/07

آخر تحديث: 08:03 (بيروت)

كمّ الأفواه.. ثقافة

الجمعة 2017/04/07
كمّ الأفواه.. ثقافة
تميز الرحباني برأيه السياسي الساخر طوال فترة الحرب الأهلية (Getty)
increase حجم الخط decrease
تزامنت، في شهر آذار 2017، مواقف عدة لا يمكن فصلها عن المسار العام لنهج بدأ يؤسس في الدولة اللبنانية منذ ما عرف بالحراك المدني في صيف 2015. ولا شك أن تكرار أحداث متشابهة في العمق ومن مرجعيات مختلفة، ليس صدفة، في بلد وصل دستورياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً إلى مرحلة مستعصية، إنما تشكل ثقافة راسخة لدى الطبقة الحاكمة تسعى إلى تكريسها في العقل الاجتماعي. 


تنتج الثقافة عن أساليب التفكير وأشكال السلوك والأدبيات في مجتمع ما، تظهر عند الرموز الاجتماعية والمسؤولين السياسيين وعلى صعيد ممارسة المؤسسات الرسمية والاجتماعية، لتشكل لغة معتمدة وعامة، وتعبر عن الخصائص الحضارية لهذا المجتمع. ومن المفترض في الدول الراقية أن تسود الثقافة، التي تتكامل وتتناغم مع القوانين التي تنظمها، ومع دور مؤسسات الدولة الراعية أو الحامية لهذه القواعد القانونية.

فإذا رصدنا سلوك القيادات والمؤسسات في المجتمع اللبناني، في الشهر الماضي، نلحظ توجهاً واضحاً لقمع الفكر والحريات، رغم تجربة الدول المحيطة التي أدت إلى الانفجار نظراً لكمية القمع الفكري الذي دام لعقود، بشكل متطابق مع كل المجتمعات الإنسانية التي تعرضت لظروف مشابهة.

ربما ليس مفاجئاً أن يدخل في أدبيات حزب الله زواج القاصرات، ولكن المفاجئ أن يكون هذا المحور موضوعاً آنياً على جدول أعمال الأمين العام للحزب، وهو رمز سياسي وديني واجتماعي، وفي تعابير تلامس التحريم لهو اللافت ولا نقول مفاجئاً، في وقت كان الشارع منتفضاً على سلوك الطبقة الحاكمة، والحزب ضمناً، ضد السياسة الضريبية.

ذكرنا هذا الموقف بموقف مفتي الجمهورية عند إثارة قضية الزواج المدني والحالة الهستيرية لرجال الدين بربط القوانين المدنية بالانحلال الأخلاقي من ناحية أو بإجازة المحرمات وفقاً لمعايير الشريعة، متناسين أن القوانين لا تخالف النظام العام والآداب العامة، ومؤسسين لـ"فوبيا القانون" الخطر على المجتمع، مقابل الأديان الضامنة لاستقرار الأسرة (افتراضاً)، متجاهلين المشاكل الاجتماعية التي وصلت إلى حد العنف القاتل، والتي غزت العائلات المحكومة بالأنظمة والمحاكم الدينية.

تزامن هذا الموقف مع حادثة الناشط أحمد أمهز الذي تم توقيفه احتياطياً بواسطة القوى الأمنية التي استخدمت وسيلة ملتوية تناقض مبدأ الشفافية. وقد رفضت المحكمة طلب إخلاء السبيل وتم التوقيف الاحتياطي لمدة أطول مما يسمح به القانون، قبل أن تفرج عنه على إثر تدخل المنظمات الدولية التي تعنى بالحريات.

واكتملت الصورة بقرار صادر عن محكمة المطبوعات، الحامية المفترضة للحريات، ضد الفنان زياد الرحباني الذي تميز برأيه السياسي الساخر طوال فترة الحرب الأهلية ومرحلة ما بعد الحرب. وقد استفاقت المحكمة في الشهر نفسه، بعد مرور خمس سنوات على مقابلته التلفزيونية لتصدر حكماً في دعوى مقدمة من أحد رموز الطبقة الحاكمة.

وإذا كانت النقابات أساساً أنشئت للدفاع عن فئات اجتماعية في وجه السلطة، وإن كانت نقابة المحامين رائدة في الدفاع عن الحريات وقيم العدالة منذ تأسيس الدولة اللبنانية، فما كان مثيراً في الشهر الماضي خطاب نقيب المحامين في موقفين. أولهما أثناء احتجاج النقابة على مشروع الموازنة، بتوجيهه التحية إلى رمز من رموز السلطة، منتفضاً على المحامين المعترضين على كلامه رافضاً حقهم بالتصريح بوجود كاميرات الإعلام؛ وثانيهما، صدور تعميم عن النقيب نفسه يحظر على المحامين التصريح عن عملهم في مكافحة الفساد ضمن إطار المحافظة على "حرية المحامي وحياديته"، "المفترضة".

أمام هذه العينة السريعة من المواقف السياسية والمؤسساتية والنقابية، إذا كان المرتجى في هذه المرحلة التأسيس لثقافة القانون واحترام القيم الإنسانية، ها نحن نلمس أن سياسة كم الأفواه هي الثقافة التي تسعى المؤسسات لتكريسها.

ليس عبثاً أن تجتمع هذه الصدف قبل الأول من نيسان. لم يكن الهدف حكما أن يعتبر اللبناني أنها مجرد كذبة "افتراضية"، بل لكي يقتنع أن الكذبة الحقيقية الأكبر التي يعيشها أنه في دولة الحرية والديمقراطية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها