الإثنين 2017/04/03

آخر تحديث: 00:48 (بيروت)

نهاية الطبيب الفلسطيني

الإثنين 2017/04/03
نهاية الطبيب الفلسطيني
تحاول إدارة الهلال الأحمر التعويض عبر التعاقد مع فلسطينيي أوروبا (خليل حسن)
increase حجم الخط decrease
كان الطبيب الفلسطيني محمد ر. فرحاً عندما استطاع الحصول على منحة، في العام 1980، لدراسة الطب في الاتحاد السوفياتي السابق. انتظرته عائلته عشر سنوات، لعلّه يعود ليحسّن ظروف معيشتها في مخيم عين الحلوة. توظف في مستشفى الهمشري، التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني. خيبة أمله يومها كانت على قدر أمله حين سافر. لم يتلقّ سوى راتب طبيب مبتدئ وهو 250 ألف ليرة لبنانية، أي أقل من مئتي دولار.

في منتصف التسعينات استطاع إقناع أحد الأطباء اللبنانيين بأن يعمل في عيادته خارج المخيم. كانت الصفقة غير عادلة، فعلى الطبيب الفلسطيني، أن يدفع نصف الدخل الذي يحصّله من زبائنه لقاء إشغاله جزءاً من عيادة الطبيب اللبناني. رفع دعوى من طبيب لبناني منافس كانت كافية لإدراك الطبيب محمد بؤس خياراته حين أراد أن يصبح طبيباً، كما يقول لـ"المدن".

قرر أن يفتتح عيادة بسيطة في المخيم. اقتطع غرفة من بيت أهله، سمّاها عيادة، رغم أنه كان ينقصها معظم التجهيزات الضرورية. "المرضى كانوا كثيرين، لكن عدد الزبائن لا يكاد يُذكر"، مفسراً أن قلة هم من يستطيعون دفع تكاليف المعاينة الطبية. أخيراً، لاحت ما تُشبه الفرصة. العمل أستاذاً لمادة الأحياء (Biology) في المدارس التابعة لوكالة الأونروا. اتخذ قراره رغم معارضة أهله. يصرّ على أنه لا يريد أن ينظر إلى الماضي، فـ"الندم على عشر سنوات لن يصلح السنوات المقبلة".

رواتب صغيرة ورسوك كبيرة
يرجع المدير العام للهلال الأحمر الفلسطيني في لبنان الدكتور صلاح الأحمد، في حديث إلى "المدن"، ضعف رواتب الأطباء في مؤسسات الهلال الأحمر إلى شحّ الإمكانيات المادية. فـ"نحن نعتمد بشكل كلّي على المانحين، ولا يمكننا تحصيل أي رسوم كبيرة في مستشفياتنا، نظراً إلى تدنّي المستوى المعيشي لشعبنا الفلسطيني في لبنان".

أما أبرز المشاكل التي يعاني منها الطبيب الفلسطيني في لبنان، فيوجزها بالآتي: عدم السماح له بالعمل في هذه المهنة، إذ يُطبّق عليه قانون "المعاملة بالمثل"، وبما أن الفلسطيني لا يملك دولة، فيمنعه هذا الشرط من العمل كطبيب، أو الانتساب إلى نقابة الأطباء في لبنان. ضعف الرواتب لدى جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، التي يعمل في مستشفياتها الخمسة في لبنان نحو 150 طبيباً، يُعدّ مشكلة رئيسية لدى الطبيب الفلسطيني. يُضاف إلى ذلك عدم خضوع الأطباء لدورات تطويرية ضرورية تجعلهم على تماسّ مع أبرز ما يشهده الطب من تطوّر هو شبه يومي.

وضمن جملة الشروط لانتساب الأجنبي إلى بعض النقابات، ومنها نقابة الأطباء، وممارسة المهنة، معاملة المهني اللبناني بالمثل في البلد الأجنبي المعني. وهناك بعض القضاة في قضية رُفعت، في العام 2007، أمام محكمة التمييز المدنية، كالقاضي نبيل صاري، اعتبروا أن "الفلسطيني المقيم في لبنان لا ينتمي بالمعنى القانوني لدويلة فلسطين الحالية، بالتالي فإن هناك بالنسبة للفلسطينيين المقيمين بصورة مؤقتة في لبنان قوة قاهرة سواء لجهة عدم وجود دولة ينتمون إليها بالمعنى القانوني للكلمة أو لجهة عدم إمكانهم تأمين المعاملة بالمثل نظراً للقوة القاهرة التي يعيشون في ظلها".

القفص الحديدي
يُقدّر رئيس الاتحاد العام للأطباء والصيادلة الفلسطينيين في لبنان الدكتور عماد حلاّق عدد الأطباء الفلسطينيين في لبنان بنحو 365 طبياً. ويورد، في حديث إلى "المدن"، عدداً من مصاعب مهنة الطب للفلسطينيين في لبنان، فيقول إن "تراجع أعداد المنح عما كانت عليه زمن الكتلة الشرقية كان أيضاً سبباً رئيسياً في عدم التحاق الفلسطينيين بكلية الطب". يضيف: "هناك حوارات جرت مع الدولة اللبنانية ونقابة الأطباء في لبنان، لكنها لم تؤدّ إلى نتائج إيجابية تُذكر".

ورغم عدد الأطباء الفلسطينيين المُشار إليه، إلا أنه في الواقع من يمارس المهنة هم نحو 250 طبيباً فلسطينياً فقط، 150 يعملون في المستشفيات التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني، ونحو 50 طبيباً في مراكز وكالة الأونروا. أي نحو 0.5 طبيب لكل 1000 من السكان. يورد رشيد الخالدي في كتابه "القفص الحديدي"، إحصائية من العام 1940، فيها أن نسبة الأطباء في الوسط اليهودي هو 40 طبيباً لكل 10 آلاف من السكان (الأولى عالمياً)، سويسرا ثانياً: 17 لكل 10 آلاف، الفلسطينيون: 2.4، مصر: 2.2، تركيا: 0.9. أما اليوم فإن نسبة الأطباء الفلسطينيين في قطاع غزة هو 2.1 طبيب لكل 1,000 من السكان، تركيا: 1.7، مصر: 0.8. أما اللافت فهو أن نسبة الأطباء العرب في إسرائيل 35 في المئة (نسبة العرب 20 في المئة)، والنسبة العامة في إسرائيل هي 3.11 طبيب لكل ألف من السكان.

يستعرض الدكتور صلاح الأحمد بعضاً من النواقص في الطاقم الطبي الفلسطيني داخل مستشفيات الهلال الأحمر، فيورد أن هناك ثلاثة متخصصين في الأشعة في مستشفيات الهلال الخمسة في لبنان، وخمسة أخصائيين في التخدير "مع أن الحاجة لثلاثة في كل مستشفى"، إضافة إلى أنه لا يوجد أطباء إنعاش تقريباً. ويدلل الأحمد على عمق الأزمة بالإشارة إلى واقعة أن الهلال الأحمر الفلسطيني لم يجد طبيباً فلسطينياً واحداً مختصاً بالكلى، لتوظيفه في مستشفى ستُفتتح قريباً في الشمال. ما إضطر إدارته إلى الاستعانة بطبيبة لبنانية.

تحاول إدارة الهلال الأحمر التعويض الجزئي عن هذا النقص من خلال التعاقد مع اتحادات أطباء الفلسطينيين المنتشرة في أوروبا، الذين يأتون متطوعين بشكل دوري إلى المستشفيات الفلسطينية في لبنان، فيجرون عمليات دقيقة، ويقدمون دورات تدريبية وتطويرية للأطباء. خطوة، على رغم أهميتها، تبقى قاصرة عن حل مشكلة نقص الأطباء الفلسطينيين في لبنان، وحل أزمتهم المزمنة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها