الإثنين 2017/04/24

آخر تحديث: 00:32 (بيروت)

الاستثمار في شعارية المقاومة

الإثنين 2017/04/24
الاستثمار في شعارية المقاومة
من يحق له التلاعب بكل ما سبق باسم اللبنانيين؟ (Getty)
increase حجم الخط decrease
ككل قضية كبرى، يجري استعمال شعار المقاومة في توجيه رسائل إقليمية، وفي بث إعلام موجه نحو الداخل اللبناني. الأمران باتا برسم مشروع فئوي إقليمي، وفي خدمة مطالب فئوية داخلية يقيم أصحابها في متن البرنامج الإقليمي الأكبر. ولا يتوانى هؤلاء الأصحاب عن الجهر بأنهم وقدراتهم، "برغي في الآلة الضخمة" لذلك البرنامج.

عراضة حزب الله الأخيرة في الجنوب اللبناني، واستعراضه المسلح على الحدود، يقعان موقع البث المكثف لمادة باتت حكراً على أسماع مناصريها، وصارت مكشوفة، أي بلا أقنعة نضالية تمويهية، بحيث يسهل على المنصتين أو المستمعين عرضاً، قراءة سطورها وما بين تلك السطور.

وما ينبغي السجال معه دائماً، ليس العنوان، الذي يركز عليه إعلام حزب الله لدى كل ظهور "مناسباتي"، بل إن ما يجب التمسك بنقاشه هو الاستنساب الزمني والحيِّز الجغرافي الذي يختاره، ونقاش ملاءمة الظرف وحقيقة المهمة التي ينتدب الإعلام نفسه للإعلان عنها بصفتها مهمة داهمة، وبصفتها مهمة وطنية تخص اللبنانيين كافة، وتتعلق بسلام مستقبلهم وبسلامة حياتهم، ودائماً بأمن وأمان وعزَّة وفخار.

لقد صار واجباً القول إن الكلام عن التحرير واستكماله، وعن خطر العدو الصهيوني وضرورة التنبه لأطماعه، وعن استهداف "الاستكبار العالمي" لأمتنا ومطامعه في ثرواتنا واجتماعنا ووحدتنا... أن كل ذلك ما عاد يشكل نقطة ختام لأي كلام، بل إنه يفتح باباً واسعاً للحديث عن كل شعار بمفرده، وكل مهمة بذاتها. والحديث هذا يبدأ أولاً بفصل الحقيقي عن الوهمي، والفعلي عن الشعاري، والتمييز بين الأقوال الكبيرة والأفعال الصغيرة، وبين الأهداف الوطنية النبيلة والمقاصد الفئوية التي تنتمي إلى السياسات العادية ومناوراتها، أي التي لا تضع نصب مقاصدها أياً من العوامل الأخلاقية. بين السياسة والأخلاق مساحة مفازة لا تجتازها اليوم كل النبرات العالية، ولا تساهم في الوصل بينها كل الشعارية القومية أو التحريرية أو الإسلامية والإسلاموية.

فصل الصورة على الحدود، أو في الداخل، عن سياق المشهد اللبناني العام، هو انجذاب إلى عالم الصورة الضيق والاكتفاء بمشهديتها، والقطع بين السياق اللبناني الداخلي الوطني، أي سياق عموم الجغرافيا المحلية، وبين السياق الإقليمي المترامي الأطراف، هو انخداع بتفاصيل الصورة واستجابة إلى "المخيال السياسي" الذي تسعى إلى تثبيته وتعميمه، كلما أعوز الأمر أصحاب الأمر، إلى تأكيد وحدة "الفئة المذهبية" وشدّ عصب عودها الانفرادي، وإلى إعادة شحن دينامياتها التعبوية بجرعات تذكيرية من مادة "السلاح المقاوم"، الذي كان وما زال، الأساس الأول والأخير، لقيام هذه الفئة وتشكلها وانتظامها، واستمرارها موحدة حول شعار سياسي فقد مادته المادية، وما زال محتفظاً بكثير من عناصر مادته التعبوية والمعنوية.

في هذا المجال يجب تسليط الضوء على أن احتلال الأرض كان السبب في نشوء المقاومة الوطنية اللبنانية بكل فروعها، ومنها المقاومة الإسلامية، وأنه عندما أنجز التحرير لم يعد كافياً التشبث بكل مندرجات المقاومة تأسيساً على "مزارع شبعا" المتنازع عليها، وأن الأمر كان يجب أن يطرح، وما زال واجب الطرح، وفق عبارة: كيف يستعيد لبنان الذي حرر أرضه، عافيته ومساره الطبيعي، مستفيداً من إنجاز التحرير، وغير متخلٍّ عن مطلب استعادة مزارع شبعا، وفق سياسات تتولاها "الجمهورية"، فلا تتعطل هذه الأخيرة، ولا تظل "المزارع" مشجباً لكل التجاوزات على إنجاز التحرير، باسم التحرير ذاته.

المشهدية الإعلامية التي جرى تعميمها مؤخراً من الجنوب وباسمه، لم تكن رسالة وطنية، أي لم تكن رسالة عمومية، بل كانت رسالة فئوية خاصة، من أجل هدف خاص يعرفه أصحابه، ولا يخفى على عقول وعيون الآخرين. هي رسالة عاد ليقول حزب الله بموجبها، إن الأمر لي"، ومن خلال ذلك، قال الراعي الإقليمي وعلى أثير حليفه المحلي، أنه إذا لم يكن كل الأمر له إقليمياً، فإنه يجب الإنتباه إلى أنه لا يمكن تجاهل وزنه ونفوذه الذي يشمل عدداً من العواصم العربية، وأنه مرابط مع حليفه القومي الأول في مواجهة "السرطان الإسرائيلي"، وأن أمن إسرائيل في خطر، إذا ما كانت سلّة المطالب الإقليمية في دائرة الاستهداف من قبل الذين ما زالوا يناقشون في أرجحية نفوذ من يقف وراءها.

هكذا كلما اهتز "عرش" المتنفذين جرت الاستعانة بالعدو القومي والإسلامي، أي الإشارة إلى وجود العدو، ليس لاستئناف مقارعته، وإنما لإيصال رسالة إلى مختلف اللاعبين الدوليين، أنه متاح التلاعب بكل الهدوء، ومن بوابة الشرعية القومية والإسلامية والوطنية، وذلك بإعلان النيّة عن العمل ضد هذا العدو. المعادلة المستهجنة تصير كالآتي: لا تذكير بالمهمة الكبرى المتعلقة بفلسطين، إلا عندما يستشعر المهدَّدون بأنهم باتوا في موقع التهديد. بناءً عليه، ما علاقة اللبنانيين عموماً بهكذا خطة "قتالية"؟ وكيف يُستبعد اللبنانيون عن سياسة تنال منهم، أمناً وحياة ومصيراً؟ من يحق له التلاعب بكل ما سبق باسم اللبنانيين غير الموافقين على الدفاع عنهم؟ هذا، رغم أنف ممانعتهم السياسية، ورغم امتناعهم عن إضافة ذواتهم، التي تصبو إلى سياسات مغايرة، إلى كل السياسات الكفاحية الفئوية المعلن عنها.

لقد انتهت عراضة الشعارية لدى الجميع، لكنها ما زالت حيّة وصالحة للاستخدام في أذهان أصحابها وفي أيديهم... أصحابها لا غير!
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها