الأربعاء 2017/04/12

آخر تحديث: 00:24 (بيروت)

يا سمير.. لا يليق بك الأسود

الأربعاء 2017/04/12
يا سمير.. لا يليق بك الأسود
رحل إلى أقاصي العنف باحثاً عن خلاص (المدن)
increase حجم الخط decrease
بالأحمر والأبيض، رفع شارة وشعار إنتفاضة الإستقلال في العام 2005. بتلك الوشاحات المؤلفة من لونين، أحمر وأبيض، وما بينهما من فكرة ثورية، كان سمير فرنجية، يعدّ لتلك اللحظة وينظّر لاستباقها قبل سنوات. للأحمر رمزيته الثورية، وللأبيض دعوة إلى تحقيق السلام، الفكرة التي رافقته طوال حياته لمواجهة العنف. اشتهر فرنجية بمواجهة كل طرح عنفي، بطرح فكرة تنقضه وتنفيه. فرحل إلى أقاصي العنف، برتبة فارس، رحلة الباحث عن خلاص من العمى الذي يجعل الإنسان لا يرى في عنفه الخاص، إلا رد فعل على مشروع عنف آخر.


في معرض إنتقاده العنف وتصويبه عليه، استطاع فرنجية إستنباط مخرج، بالإمكان البناء عليه لتعزيز مفهوم السلام، إذ يقول: "رحلة العنف صعبة، لكنها نقلتنا من اليقين إلى الشك، ومن الغرور إلى التواضع، ومن نبذ الآخر المختلف، إلى التواصل معه وإعادة اكتشافه". وتلك كانت رحلة حياته الاستكشافية الطويلة، التي رفض بعدها مزجه كل عمل ثوري بالعنف، الذي يعتبره واحداً أياً كانت أسبابه ومبرراته.

بدأ فرنجية حياته متشحاً باللون الاحمر. فهو اليساري الذي قرأ اليسار من خارج التفاصيل، من الرؤية الواسعة. وإن دلّ هذا اللون على العنف في مكان ما لإثبات مدى فعالية العمل الثوري، عاد فرنجية ونقضه لاحقاً، على قاعدة أن الإنسان لا يسيطر على العنف، إنما يخضع هو لسيطرته. لذلك، عاد إلى اللون الأبيض، ومزجهما في شارة إنتفاضة الإستقلال، للتدليل على المفهوم الثوري لتحقيق السلام. وهذه كانت غايته حين أطلق إسم ثورة الأرز على تلك الإنتفاضة.

إلى أيامه الأخيرة، لم يملّ فرنجية المحاولة، للتقريب بين الإختلافات، ولإيجاد صيغة ملائمة للعيش والمواءمة في ما بينها. فاعتبر العنف أقصى درجات البلاهة بعد كل التجارب التي مرّ بها العالم، واعتبر أنه في حال عدم تعلّم كيفية العيش بين المختلفين معاً، فإن جميعهم سيموتون بلهاء.

لم يمت حلم سمير منذ العام 2005، تعرّض لنكسات، كان أساسها، التسويات النفعية والتنازلات المصلحية. ففضّل الإبتعاد، ليعود مجدداً إلى حلمه الذي رآه يتوسّع ويتمدد ذات ربيع عربي عبقت رائحته بالياسمين في تونس، ففاح ياسمين الشام ملاقياً، وما بينهما الثورة المصرية لحصول الفقراء على عيشهم وحريتهم بتحقيق العدالة الاجتماعية. لكن الإشكالية التي رافقته طوال حياته، تنطلق من سؤال إذا ما كانت أحلامه كوابيس. ففاضت رائحة البارود والدم، وهدم العنف كل ما بني أو تحقق.

كل الإنقسامات، بما فيها العنفية، التي اجتاحت العالم أخيراً، لم تؤد بسمير إلى مغادرة قناعته. تمسّك بالحوار، الذي تجسّد به وجسّده، ولم يرد أن يخلع ثوبه، وبقي إلى رمقه الأخير، مؤمناً بالعيش المشترك، في وضع إطار نظري وسياسي جديد له، يخرج عن الإستهلاكات اللبنانية له، على أن يكون مرتكزاً في أسس علمية وموضوعية لبناء مؤسسة تقود إلى إرساء دولة، خارجة على مفهوم العصبية العشائرية أو الدينية، وقائمة على أساس الحقوق والواجبات للمواطن. كل هذه الأفكار، التي بدأها أخيراً بالدعوة إلى عقد حلقات حوارية بين مختلف المتناقضات، أراد خطّها في كتاب، بعنوان العيش المشترك، لكن الزمن لم يسعفه لإنجازه.

ولكن، من الذي سبق بموته؟ روح سمير فرنجية التي ماتت مع وفاة حلم 14 آذار، أم جسده الذي بقي إلى الأمس، ولم يعد ينتظر غير التشييع، والعودة إلى الأصل، إلى الثرى وليس إلى الشارع أو المكتبة هذه المرّة. وإذا ما تكفّن بالأحمر والأبيض طوال حياته، فهل يليق به الأسود للقول وداعاً؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها