السبت 2017/03/25

آخر تحديث: 07:46 (بيروت)

تنظيم الحراك المدني وتحديد سياساته

السبت 2017/03/25
تنظيم الحراك المدني وتحديد سياساته
ما قام به "المدنيون" أخيراً يشكل حافزاً للتحضير لخطوات لاحقة (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

تحرّك الشارع اللبناني من جديد، ونزل المعترضون على سياسة الدولة الضريبية بكثافة إلى وسط العاصمة بيروت. ومن جديد قدَّم الشارع صورة عن حركة جمهور تفيض قدراته عن قدرات أحزابه، وبأن الإحساس بالقضايا لدى "المجتمع المدني" أكثر رعافة من إحساس الأحزاب المبرمجة، وحتى المنمطة، التي باتت خبرتها التاريخية قيداً نمطياً على الحركة التي حاول الجيل الشاب أن ينشئها في الشارع، وعلى قاعدة الصواب والخطأ في ممارسة التجربة العملية.

تفوق الدينامية "الشارعية" التي ينبض بها جيل الشباب، لا يكفي للقول إن أمور إنشاء البديل القيادي الشعبي قد بدأت بالتبلور تبلوراً واضحاً يسطع على خطوط متعددة، وفي أكثر من اتجاه مستقيم وغير مستقيم، بل إن ما يمكن قوله حول الطموح إلى بناء الموقع الشعبي الجديد البديل، أن جيل البديل هذا مصيب في الدعوة إلى التقاط مبادرة الرد على المأزق اللبناني، السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وناجح في الدعوة إلى خطوات عملية ملموسة، وعلى حق في تعبيره المختلف والمختلط والملتبس، ضد الخطاب الرسمي السلطوي ومصالح من يشرف على صياغته، وعلى ضفاف الخطاب "الرسمي" الحزبي الجامد، ومن يتقاعس عن إدراك ضرورات تجديده، لعلة العجز والقصور، أو لسبب الانسياق وراء فتات سلطوي في جنة الحكم، يثمر نائباً هنا أو مختاراً هناك.

غير أن الحرص على تحرك الجيل الشعبي الجديد، لا يعفي صاحب الحرص من ملاحظة النواقص والثغرات والعيوب التي رافقت نشاط الحراك المدني السابق، والتي تعود لتطل برأسها في يوميات نشاط الحراك المدني الحالي. في هذا المجال يجب أن يجري التمييز بين أساليب الأحزاب المستعادة، وبين أساليب الحراك المتكررة، بحيث تُقرأ الدوافع والأسباب التي تجعل التكرار والإستعادة من قبل الفريقين، سمتين بارزتين تحملان في استمرارهما وفي انبعاثهما كل مرة، ما يدفع إلى القول إنهما يشكلان عطباً بنيوياً لدى الأحزاب القديمة المتقادمة، وعطباً عفوياً لدى المجموعات التي مازالت تناوئ السياسة وتنفر من التنظيم، وتنقاد إلى الشعارات السهلة، وتترك أجسامها عرضةً لممارسات وسلوكيات فوضوية، ممارسات يتوزعها أزلام النظام من جهة، وأصحاب اللفظية الثورية الذين مازالوا ينهلون من كتاب تجاوز عمره المئة عام، والذين يرون في كل صرخة احتجاج إيذاناً بقدوم الثورة.

في السياسة، لا بديل أمام ناشطي ومناضلي الجيل الحالي من مخاطبة السياسة، ولا بد لهم من دق باب التنظيم والانتظام. هذه الملاحظة لا تعني أنه يجب تكرار أنماط التجربة السياسية اللبنانية كما وصلت أصداؤها إلى مسامع شباب اليوم، مثلما لا يجب أن يستحضر منظمو اليوم بنود الأنظمة الداخلية للأحزاب اللبنانية الموجودة، فلا دعوة في هذا المجال إلى إيديولوجيات شمولية جديدة، ولا دعوة أيضاً إلى مركزية ديمقراطية أو ديكتاتورية انضباطية تلغي حق التعبير وحق الاختلاف، داخل الحزب بدايةً، ثم داخل المجتمع استطراداً، وعلى من يتوجس منه الجيل "اللامنتمي" الحالي شواهد وتجارب مريرة ومدمرة. إذا كان ما ورد مفهوماً، فإن ما لا يكون مفهوماً، هو الوقوف ضد تنظيم الحركة بحجة الحرية والتعدد، والتوهم بالقدرة على إسقاط المضمون السياسي بدعوى "مدنية" التحرك، والسماح بانفلاش التجمع الاحتجاجي وبتبديد زخمه وبضياع أهدافه وقواه، بدعوى ممارسة الديمقراطية والاحتكام إلى قواعدها... غير المحددة وغير المنصوص عليها في أي برنامج حد أدنى من التوافق، الذي يجب أن يكون منظماً وموجهاً وضابطاً في كل تحرك.

السياسة والتنظيم وتحديد برنامج حد أدنى بين مكونات التحرك الشعبي الذي يطمح إلى تأسيس حركة معارضة جديدة، كل ذلك من المقومات الأولى لتحديد التحرك، أي لتعريفه ولإعطائه بطاقة تقديم للذات، وبطاقة انتساب إلى مجموع المصالح السياسية والاجتماعية التي تمس الأكثرية الساحقة من اللبنانيين.

ولنقل تكراراً: من هو التحرك اليوم؟ وما هي رؤيته للقادم من قريب الأيام؟ وما هو برنامج تحركه؟ وما هي الأساليب المتنوعة المتداخلة التي سيلجأ إليها مجموع القوى المؤتلفة في التحرك؟ وهل يكون التحرك تحركاً مناسباتياً وموسمياً، أم أن جدول القضايا الضاغطة على "الكيان اللبناني" مليء ومتشعب؟ وما هو على هذا الجدول حساس وخطير ولا يتحمل الانتظار؟ هذا لا يعني أن النزول إلى الشارع سيكون الشكل النضالي اليومي، لكن أشكال التعبئة الشعبية والسياسية والمدنية يجب أن تكون موضوع عمل يومي دائب، بحيث يأتي كل تحرك ميداني ناشط، تتويجاً للتراكم اليومي المستدام الذي تتولى القيام بمهماته كل مجموعات وقوى الاحتجاج، في العاصمة بيروت وفي عواصم المحافظات، وفي مختلف المواقع الاجتماعية.

ما قام به "المدنيون" أخيراً يشكل حافزاً للتحضير لخطوات لاحقة، فكيف يكون التحضير؟ ومظاهر العبث التي أفسدت صورة النجاح الميداني قد تتكرر، بل ستتكرر، فكيف تحاصر منذ البداية؟ وما هي الإجراءات، وما هي المحاذير؟ أسئلة كثيرة، ومهمات كثيرة والمطلوب واحد: التنسيق والسياسة والتنظيم، ليكون ممكناً الوثوق بخطوات البداية، ذلك أننا ما زلنا في البداية، والطريق طويل.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها