الأحد 2017/03/19

آخر تحديث: 00:24 (بيروت)

لماذا مطلب واحد؟ الضرائب

الأحد 2017/03/19
لماذا مطلب واحد؟ الضرائب
كيف يمكن أن تتقدّم الاحتجاجات وتحقق نتائج؟ (خليل حسن)
increase حجم الخط decrease

رغم وجود معطى سياسي يتمثّل بوفود حزب الكتائب إلى شارع الاحتجاج، إلى جانب قوى مدنية وديمقراطية وعلمانيّة ويسارية، مازالت السمة الأبرز للتحرّكات هي الاحتجاج.

فقد التقت، في هذه اللحظة، شرارة الكتائب، الآتية من الخصومات السياسيّة وحساباتها منذ خروج الكتائب من الحكومة الماضية مروراً بتهميشه في العهد الجديد، مع الأرض الخصبة للاحتجاج على سياسات القوى الحاكمة الجشعة والاحتكارية والاقصائية والساعية إلى تكريس نفسها بأكبر من أحجامها، في صيغة حكم جديدة تولد على إيقاع التغيرات الدوليّة والاقليميّة.

وفيما يبدو أن الكتائب كان يخطط لتكوين تلك الشرارة وإطلاقها في اتجاه الاحتجاج قبل الانتخابات لاستثمارها انتخابيّاً وسياسيّاً، فإن القوى والمجموعات والناشطين المدنيين والديمقراطيين والعلمانيين واليساريين فوجئوا بأجواء جعلت كثيرين يتذكّرون إنطلاقة حراك 2015. فسارعوا إلى تلقف اللحظة لاستيعابها فكريّاً والاستجابة لمتطلّباتها عمليّاً. فهؤلاء، وغالبيّتهم حافظت على صلاتها وأطرها بعد تراجع الحراك ولو بالحد الأدنى، كانوا منشغلين بالانتخابات النيابيّة المقبلة. ونظراً لذلك ولـ"أصالتهم" في الاحتجاج والمطالبة والشارع حضروا سريعاً في المشهد، إذ لا يمكن إلغاؤهم، بل لا معنى لوفود الكتائب إلى شارع الاحتجاج من دونهم.

وبسبب هذا اللقاء طرحت القوى والمجموعات والناشطون المدنيون والديمقراطيّون والعلمانيّون واليساريّون السؤال ماذا نفعل وكيف نستوعب العمل مع حزب كان للأمس القريب في السلطة، ولديه كتلة نيابيّة، وفي أي لحظة يمكن أن يعقد صفقة سياسية- انتخابية مع القوى السياسية أو بعضها. لكن سرعة الشارع والاحتجاج جعلت الحوار أمراً واقعاً.. وربما لا بد منه.

إزاء ذلك، وانطلاقاً من تجربة الحراك، تكرّر السؤال هل نُكثر المطالب أو نكتفي بواحد (النفايات سابقاً والضرائب اليوم)؟

وأسباب ذلك عديدة، منها ما هو راهن يتعلّق بانطلاق الاحتجاج من الضرائب وسط انشغال بالمعركة الانتخابيّة التي لم تحظَ باهتمام شعبي. ومنها ما هو وليد الثقافة الأيديولوجية التي تنظر في لحظات الاحتجاج إلى النظام وأزمته وغيرهما من الأمور الكبرى. ومن الأسباب أيضاً حضور العدّة المدنيّة، عقليّة ومشاريع وأطراً وأشخاصاً. وبجانب هذه وتلك هناك أطماع واستثمارات تنشط لسرقة الكهرباء من الفعل لإضاءة مشاريع وأشخاص انتخابيّاً وإعلاميّاً.. وربما نفسيّاً.

وبمعزل عن نقد هذه الثقافة وتلك العدّة، ومعهما الأطماع والاستثمارات، لا بد من مواجهة سؤال كيف يمكن أن تتقدّم تلك الاحتجاجات وتحقق نتائج وتضغط على القوى الممسكة بالسلطة التي ترتبك تجاه التحركات قبل أن تبادر إلى الانقضاض عليها؟

الإجابات عن ذلك كثيرة، لكنَّ أهمّها في هذه اللحظة إجابات عمليّة، تتمثّل في المبادرة إلى الارتقاء من الاحتجاج إلى الاعتراض ومستواه وآليّاته. وأوّل شروط ذلك هو الالتزام بالمطلب الواحد الذي انطلق الاحتجاج منه ولأجله، أي الضرائب. ولا يعني ذلك السكوت عن نقد الطبقة السياسيّة وسياساتها وتحكّمها واحتكارها السلطة وإقصائها المواطنين... الخ.

لكن دون ذلك صعوبات، أو تحدّيات. أهمّها أن التحرّك مفاجئ، وأنَّ مشارب المشاركين فيه لا تُعد ولا تُحصى. ولا يقل عن ذلك أهميّة أنَّ الاحتجاج الذي يأتي بالشعارات الكثيرة الكثيفة طالع من آلام وجروح مزمنة وقاسية، ومن انسداد المؤسسات الديمقراطية في وجه التعبير الشعبي وأصواته. وهذا ما يجعل التخصيب بين العقل والقلب، للارتقاء من الاحتجاج  إلى الاعتراض، صعباً ويحتاج إلى وقت وتجارب وشغل عميق ودؤوب.

لكن، في مقابل ذلك، الحوار بين كثير من مكونات التحركات سريع ومسؤول ويتسم بكثير من الانفتاح والإيجابيّة والتعاون. والتأسيس على ذلك ضرورة مدرَكة.

الجدل هذا بين القلب والعقل، بين الاحتجاج والاعتراض، واقعي وحقيقي وجميل وغني. ومن الضروري العمل للتوازن بينهما، على الأقل. وهذا يحتاج إلى الالتزام بالمطلب الواحد وخطابه وآليات التعبير عنه. ولا بد من شرح ذلك لوسائل الإعلام سعياً إلى تعاونها. من دون ذلك سيبقى التحرك احتجاجاً.. موسميّاً. ومن دون ذلك لن تولد حركة مطلبية اعتراضية تعمل وتستمر وتحقق أهدافاً لمصلحة المواطنين وتطوير الحياة الديمقراطية والقوانين والدولة والمؤسسات.. وأدوات العمل السياسي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها