الخميس 2017/03/16

آخر تحديث: 00:26 (بيروت)

قانون جديد لتقويم الموظفين: أسرى أو جواسيس؟

الخميس 2017/03/16
قانون جديد لتقويم الموظفين: أسرى أو جواسيس؟
القانون الجديد يجعل مصير الموظف مرهوناً بكلمة (محمود الطويل)
increase حجم الخط decrease
ربطت السلطة السياسية مصير موظفي الدولة بيدها، من خلال جعل مجلس الوزراء صاحب "القرار المناسب" في حق موظفي الدولة، بعد مراقبة سلوكهم وأدائهم داخل الوظيفة. ويأتي هذا الربط عن طريق المادة 39 من مشروع القانون رقم 10416، الرامي إلى رفع الحد الأدنى للرواتب والأجور، واعطاء زيادة غلاء المعيشة، أو ما يعرف بقانون سلسلة الرتب والرواتب، بشقه المتعلق بالبنود الإصلاحية المرتبطة بالسلسلة.

المادة التي تتمحور حول "تقييم أداء الموظف"، سمحت لمجلس الوزراء الغاء دور الهيئة العليا للتأديب، وهي المرجع الوحيد المخول إنهاء خدمة الموظفين في الإدارة العامة. وبذلك، يكون المجلس قد أكمل عملية القضاء على الهيئات الرقابية، بمختلف أنواعها، عبر تعطيل أدوارها في مراقبة الإدارة العامة ومحاسبة المخالفين من الموظفين، ومن بينهم الوزراء والنواب أنفسهم. فالمادة تنص على أن ترفع هيئة تضم مجلس الخدمة المدنية والتفتيش المركزي، مجتمعين، تقييماً لموظفي الفئة الأولى، إلى الوزير المختص "الذي يقوم بدوره بتقويم الموظف وإحالة التقويمين إلى مجلس الوزراء لاتخاذ القرار المناسب". أما بقية الموظفين، من غير الفئة الأولى، فإن تقويمهم المستند إلى "معايير مرتبطة بقدرات الموظف وصفاته"، تتم من قِبَل "الرؤساء التسلسليين للموظف"، على أن يصرف مجلس الوزراء من الخدمة "كل موظف، مهما كانت فئته أو رتبته، أثبتت تقارير تقويم الأداء السنوية المعتمدة بموجب نظام تقويم الأداء الوظيفي، إن أداءه كان وسطاً أو أقل من الوسط خلال سنتين متتاليتين أو لمرتين خلال ثلاث سنوات متتالية"، بحسب المادة 37 من مشروع القانون.

للوهلة الأولى يبدو أن نظاماً رقابياً صارماً سيُطبّق بهدف إصلاح الإدارة العامة، والحد من الفساد، لكن السلطة السياسية تُمسك من خلال هذا القانون بمكافآت الموظف وتدرجه وترفيعه، بل بمصير وظيفته بشكل عام. ناهيك بأنها من الناحية القانونية "تضرب استقلالية الوظيفة العامة، وتلغي مبدأ فصل السلطات"، وفق ما يقوله رئيس الهيئة العليا للتأديب مروان عبود، الذي يشير في حديث مع "المدن"، إلى أن الهيئات الرقابية تسهم في "فصل الوظيفة العامة عن السياسة. لكن ربط مصير الموظف بيد مجلس الوزراء يدمج السياسة بالوظيفة العامة".

ويوضح عبود خطورة القانون الجديد، من خلال الاضاءة على تعقيدات عملية الاستماع إلى الموظفين والتدقيق في المعطيات المقدمة إلى الهيئات الرقابية، إذ إن الهيئات الرقابية قبل اتخاذ أي قرار بحق الموظف، "تبحث في كثير من المعطيات، وتعطي الموظف حق تقديم المراجعات في حال وجود ظلم في القرار الصادر بحقه. لكن بموجب القانون الجديد يصبح مصير الموظف مرهوناً بكلمة، لأن القرار لم يعد بيد هيئة رقابية بل في يد أشخاص. أما الهيئات الرقابية في هذه الحالة، فتتحول إلى هيئات استشارية لدى مجلس الوزراء، بما في ذلك مجلس الخدمة المدنية والتفتيش المركزي".

نواب الأمة في هذه الحالة يبحثون في تشريع قانون يحوّل موظفي الدولة إلى جواسيس يلاحقون بعضهم. ما يعيد إلى الأذهان ممارسات الأنظمة العربية التي تربط مصير وظيفة وحياة عائلة، بكلمة قد تأتي بعد رفض الموظف تمرير صفقة أو تلقي رشوة، فيتحول الموظف الصالح إلى ضحية.

أما في حال طعن الموظف بقرار السلطة العليا، فإن أفضل ما يمكن حدوثه، هو المماطلة في النظر بالطعن، فيبقى قرار الصرف من الوظيفة قائماً إلى أجل غير مسمى. عليه، فإن نافذة الأمل التي تركتها السلطة السياسية ضمن المادة 39، والتي تنص على أن "للموظف حق المراجعة والتظلّم"، تبقى حبراً على ورق. فهل هناك أي سلطة سياسية ترضى بإبطال قراراتها؟ فلو كان هناك إمكانية لأبقت السلطة مصير الموظفين بيد الهيئات الرقابية، وكفّت يدها عن التدخل السياسي لتعطيل هذه الهيئات.

ويلفت عبود إلى أن الوزراء يحق لهم "وضع الموظف في تصرف الهيئات الرقابية، لأن للموظف حصانة تمنع مراكمة الدعاوى القضائية عليه دون وجه حق، ومن أي طرف كان". ويطالب عبود، منذ أسبوعين، وفق ما يقول، بموعد مع عدد من الوزراء لمقابلتهم للوقوف على حقيقة القانون الجديد، لكنه لم يجد آذاناً صاغية. ما دفعه إلى توجيه كتاب إلى رئيس الجمهورية، في 15 آذار.

ضرب الوظيفة العامة
التدقيق بأسباب اتخاذ مثل هذه الاجراءات تحت ستار الإصلاح الإداري، يحيل إلى مؤتمر باريس 3 والإصلاحات التي طلبها صندوق النقد الدولي. فجوهر المطالب يكمن في ضرب الوظيفة العامة وإتّباع مبدأ التعاقد الوظيفي، وهذا ما يتقاطع مع مشروع الخصخصة الذي ترفعه السلطة. فيأتي التخلي عن مأسسة الرقابة بعيداً من السلطة السياسية، وتبنّي الرقابة السياسية الفردية الخاصة، خطوة مهمة على طريق التعاقد الوظيفي. وعبر التخلي عن المأسسة، يصبح من "المنطقي" محاسبة الموظفين استناداً إلى ورقة تقويمية يُعدّها موظفون تعيّنهم السلطة نفسها. وكل من يتقاعس عن أداء "واجبه" في المراقبة، يصبح هو الآخر عرضة للتقويم السياسي. فتكون الإقالة عندها "قانونية"، لأنها صادرة عن سلطة رفيعة المستوى كمجلس الوزراء.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها