الخميس 2017/02/09

آخر تحديث: 07:05 (بيروت)

البلدية وحرش بيروت: مسيرة مرعبة ضد المساحة الخضراء

الخميس 2017/02/09
البلدية وحرش بيروت: مسيرة مرعبة ضد المساحة الخضراء
المشاريع مخالفة للقانون وغير دستورية (خليل حسن)
increase حجم الخط decrease
لا يبدو أن تقلص مساحة حرش بيروت، بنسبةٍ نحو 75%، قد شفى غليل بلدية بيروت، التي دأبت عبر السنوات الماضية على اجراء صفقات تنازلت بموجبها عن أجزاءٍ عديدة منه لأطرافٍ مختلفة. فكل المؤشرات تدلّ، اليوم، على إصرار البلدية على مواصلة تهديد المساحة الخضراء الأخيرة في العاصمة. فبالإضافة إلى مشروع بناء المستشفى الميداني المصري، تلوح في الأفق مشاريع أخرى لإقتطاع مساحات إضافية من الحرش.


قضم الحرش
شهد حرش بيروت، ولاسيما خلال سنوات الحرب الأهلية، عمليات قضم متتالية أدّت إلى تقليص مساحة العقار 1925 الذي يمتدّ عليه من مليون و200 ألف متر مربع إلى 300 ألف متر مربع فقط. ويقول المحامي واصف الحركة إن "حرش بيروت ليس المتنزه الذي نعرفه اليوم، بل كان عبارة عن إمتداد أخضر طبيعي من المتحف حتى منطقة بئر حسن". وفي ما يخصّ المنطقة المجاورة للحرش مباشرةً، يشير الحركة إلى أن عمليات سلبها بدأت في العام 1983 مع تنازل بلدية بيروت عن مساحة 26000 متر مربع من العقار 1925 لمصلحة الجمعية الخيرية الثقافية (أي مؤسسات الإمام محمد مهدي شمس الدين) مانحةً إياها حق الإشغال والإستثمار لمدّة 99 عاماً، تحت مسمّى إنشاء مؤسسات ثقافية.

تتالت بعدها تعديات عشوائية من هذا النوع. فتنازلت البلدية عن 4000 متر مربع من العقار 1925 لمصلحة كشافة الرسالة، حيث أنشئ مبنى لإذاعة الرسالة وهيئة إسعافية تابعة لها، وتنازلت عن 9000 متر مربع لمصلحة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، حيث أنشئت روضة الشهيدين، وعن 8000 متر مربع للوقف الشيعي لإشغالها كمقبرة. وأخيراً تنازلت لحزب الله عن مساحة 6000 متر مربع لنصب خيمة فيها. كما يشغل مخفر الغبيري جزءاً من الحرش لايزال تابعاً للعقار 1925، الذي لم تتخل عنه البلدية، لكن "كل الأشجار أزيلت منه ولم يتمّ تشجير الأرض الملاصقة للمخفر بعد ذلك، وتحوّلت إلى مكب عشوائي للنفايات". ويذكر الحركة أن "البلدية ترفض إبراز الأوراق والوثائق الرسمية لهذه الإتفاقات والصفقات، وبالتالي فإن تفاصيلها وبنودها مجهولة. فنحن لا نعرف إذا ما تمّ بيعها أو تأجيرها أو منح حقّ الاستثمار فيها. وهي في جميع الحالات غير قانونية".


الخطر الراهن
أما اليوم، فوجود الحرش مهدد من ثلاثة مشاريع. أولها إنشاء المستشفى المصري الميداني. وعلى اثر تحرك المجتمع المدني رفضاً لبناء هذه المنشأة، مستنداً إلى عدم قانونية هذا المشروع، أزالت البلدية الأعمدة التي سبق أن شيّدتها، في مقابل انشاء مبنى متنقل. لكن، حتى بموجب هذا التعديل، يبقى المشروع مخالفاً للقوانين، وفق ما يؤكّد المدير التنفيذي لجمعية نحن محمد أيوب. فالبلدية ازالت الأعمدة لكنها أبقت على الباطون، "وفي ذلك خرق واضح لتصنيف هذه المنطقة محمية طبيعية. ما يمنع إقامة أي أبنية داخلها ولو كانت عبارة عن مبان جاهزة".

أما المشروع الثاني فيتمثّل بقرار البلدية تغيير تصنيف جزء من الحرش من المنطقة التاسعة إلى المنطقة الرابعة، وهو قرار في غاية الخطورة، "إذ لا يبقى هناك ما يمنع تشييد ناطحات سحاب داخل الحرش"، وفق أيوب. والحال أن هذا القرار قد إتخذه المجلس البلدي السابق إلا أن المجلس الحالي لم يتراجع عنه. وأخيراً، تعتزم البلدية نقل الملعب البلدي في الطريق الجديدة إلى داخل الحرش، وهو مشروع آخر نال قسطه من المعارضة الشعبية والمدنية، فارتأى المجلس البلدي تغيير خصائص هذا البناء من دون التراجع عنه. ويعتبر أيوب أن تغيير "طريقة البناء لا تحل المشكلة، فمجرّد الحفر في منطقة طبيعية يعتبر مخالفاً للقوانين".

ويشير الحركة إلى أن "هذه المشاريع ليست مخالفة للقانون فحسب، بل إنها غير دستورية أيضاً. ذلك أن مجلس شورى الدولة أقر إجتهاداً ارتقى بموجبه بالملك العام إلى المستوى الدستوري، أي أنه لا يمكن التعدّي عليه وإن بموجب قانون نيابي أو مرسوم وزاري، ناهيك بقرار بلدي. ولا يمكن لأي مشروع أن يتمّ إلا بتغيير الدستور، وهو ما لم يحصل".

من جهته، ينفي رئيس المجلس البلدي جمال عيتاني، وجود أي مشاريع لقضم حرش بيروت. وهو ينكر اتخاذ البلدية أي اجراءات مخالفة للقانون. ففي حديثٍ مع "المدن"، يشير عيتاني إلى أن "مشروع المستشفى المصري كان قائماً منذ عهد البلدية السابقة، كما أننا رفضنا الباطون والأعمدة، وسمحنا بتشييد المستشفى شرط أن يكون المبنى متحركاً بغية نقله فور إيجاد موقع أنسب". أما الملعب، فيؤكّد عيتاني أنه "لن يتمّ تشييد أي مبنى جديد، فالملعب موجود ونحن لن نخترع ملعباً جديداً بل سنكتفي بترتيب الملعب الحالي". ووصف عيتاني ما يتمّ تداوله بشأن اتجار البلدية بالحرش بـ"الإدعاءات غير الصحيحة"، مؤكّداً أن "لا صحة لخبر إقدام البلدية على تغيير تصنيف منطقة من الحرش". وأخيراً، يشير عيتاني إلى أهمية هذا الحرش بالنسبة إلى البلدية، وإلى حرصها على المحافظة على ما وصفه بـ"أهم حديقة في بيروت"، لافتاً إلى أن "الجميع سيتفاجأ بالنشاطات التي يتمّ التحضير لها في الحرش".

فيما لم تمضِ سوى فترة وجيزة على استرداد المواطنين حرشهم، يبدو أن المعركة تحوّلت إلى معركة لحماية وجوده. عليه، دعت جمعية نحن إلى تظاهرة احتجاجاً على مشاريع قضم حرش بيروت، وذلك في يوم الخميس، في 9 شباط، عند الساعة 12 ظهراً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها