الأحد 2017/02/26

آخر تحديث: 10:18 (بيروت)

لهذه الأسباب النفايات في لبنان.. كثيرة وخطيرة

الأحد 2017/02/26
لهذه الأسباب النفايات في لبنان.. كثيرة وخطيرة
قديح: لا بد من النظر في الإنتاج والإستهلاك والإستيراد (خليل حسن)
increase حجم الخط decrease

تؤكد الاحصاءات التي أجريت منذ 20 عاماً حتى اليوم أن نسبة المكونات العضوية من مجمل النفايات المنتجة في لبنان تتجاوز 50 إلى 55%، وهي تصل إلى 70% في فصل الصيف، وبمعدل وسطي هو 60% على مدار العام، وفي مختلف المناطق اللبنانية. وبذلك، تحتل المكونات العضوية النسبة الأعلى من مجمل النفايات. وهي تتكون من بقايا المطبخ- الخضار والفاكهة- في المنازل والمطاعم والمؤسسات التجارية.

من هنا، بات الحل الأمثل لإنهاء أزمة النفايات التي شهدتها شوارع لبنان، منذ منتصف العام 2015، هو معالجة الجزء الأكبر والأهم من مجمل نفاياتنا. لكن ما هي الأسباب التي تسهم بتكاثر هذا النوع من النفايات وكيف يمكن تقليصها؟ ما هي التقنيات التي يمكن استخدامها في المعالجة؟ وما هي المعايير التي تؤخذ بالاعتبار لانتقاء وسيلة الحل الأفضل؟

للإجابة عن هذه الأسئلة أجرت "المدن" حواراً مع الخبير البيئي الدكتور ناجي قديح.

ما هي الأسباب التي جعلت الجزء الأكبر، من النفايات المنتجة في لبنان، نفايات عضوية؟
إن كمية النفايات ونوعيتها المنتجة في لبنان يمكن معرفتها من خلال الوقوف عند ثلاثة عناوين أساسية هي: الإنتاج، الإستهلاك والإستيراد.

نمارس في لبنان عادات غذائية استهلاكية مختلفة عن الغرب، إذ نستهلك كميات أكبر من المنتجات النباتية والخضار والفواكه. ثم إننا نسرف في ممارسة عاداتنا الاجتماعية، التي تنتج كميات كبيرة من الأغذية التي ترمى رغم أنها لاتزال صالحة للاستهلاك، ولا يجوز وصفها بالنفايات.

إنتاج لبنان من الخضار والفاكهة يفوق حاجة السوق، من دون تطبيق سياسة تسويقية أو حمائية (ضبط ومراقبة السوق) أو توجيهية تخدم مصلحة المستوردين. فلبنان ينتج كميات كبيرة من الموز ويستوردها أيضاً. ويترافق ذلك مع سلوكيات تقليدية ينتج عنها إتلاف كميات من المنتجات في بعض الفصول وحتى في أسواق الجملة (الحسبة) بممارسات تسويقية غير منظمة، في ظل غياب سياسات التصنيع الزراعي والأسواق لتصريف الفائض منها. في حين أن أوروبا منعت المطاعم والمؤسسات ومحال بيع الأغذية من رمي المواد الغذائية في حال كانت لاتزال صالحة، عبر قانون فرضت فيه توزيع هذه المواد على المؤسسات الاجتماعية، وذلك تحت طائلة تنفيذ عقوبة. لذلك، نحن أمام فلتان لا يمكن اعتباره ترجمة للنظام الإقتصادي الحر، انما هو نتيجة غياب الدولة والفوضى العارمة وتعبيراً عن غياب السياسات الناظمة.

كيف يمكن التحكم بهذه المشكلة المتشعبة؟
يمكن تخفيف النفايات عبر ترشيد الإنتاج والتخفيف من توليد النفايات، وإنتاج منتج يتحول بعد استهلاكه إلى كمية أقل من النفايات. أما الأصعب فإنه تغيير السلوك الإستهلاكي الذي يرتبط بسلوك شعب وعاداته وثقافته المتراكمة منذ عقود. ويتطلب ذلك، تضافر جهود أكثر من جهة وطرف، تربوياً واجتماعياً ونفسياً واقتصادياً، وسياسياً وفكرياً وثقافياً، للإنتقال إلى حالة سلوكية مختلفة، كشراء كميات أقل من الطعام، مثلاً.

والتحكم بالنفايات العضوية يفترض أن يبدأ منذ لحظة الإنتاج والتسويق والحلقات التي يمر بها قبل الوصول إلى المستهلك، كالخضار والفاكهة مثلاً. أي تنظيم الإنتاج والإقتصاد الزراعي على مستوى الدولة، وتنظيم عملية الإستيراد. وهذا ما كان يفترض مناقشته قبل انضمام لبنان إلى منظمة التجارة العالمية. لكن التباطؤ والتواطؤ والإهمال في الوزارات أمور أدت إلى توقيع لبنان على اتفاقية التجارة الحرة من دون أن يحمي نفسه. فيما الحديث عن رزنامة زراعية يحتاج إلى إعادة نظر كبيرة عبر سياسات رقابية ومؤسسات تجري دراسات عن حركة الإنتاج والسوق وحاجة لبنان. وفي ضوء ذلك، نضع نظاماً متحركاً يسمح ويمنع إستيراد بعض السلع.

كيف يمكن معالجة النفايات العضوية؟
عند الحديث عن مشكلة النفايات عموماً، تظهر النفايات العضوية كأنها المشكلة الأكبر، علماً أنها أبسط أنواع النفايات مقارنة مع النفايات الصناعية والكيميائية والخطرة والمعادن الثقيلة، التي تحتاج إلى قدرة كبيرة للتعامل معها. لكن خطورة النفايات العضوية تكمن في أن مزجها مع أنواع أخرى من النفايات يحولها إلى كتلة تتحلل وتتعفن وتصدر روائح، وتتولد عنها بعد تفاعلها مع نفايات أخرى عصارة تحتوي مكونات سامة وخطيرة.

لذا، لا بد من البدء أولاً بالجمع المنفصل للنفايات العضوية من مصدرها. أي فصل النفايات العضوية عن أنواع النفايات الأخرى. لأن مصطلح فرز أسيء استخدامه واستهلك لدرجة أصبح منفراً، وكأنه الحل والربط. بينما نحتاج إلى نظام جمع منفصل، وتجهيز شاحنات تجمع النفايات العضوية، يفضل أن تكون من دون أكياس، أي مباشرة من الحاوية إلى الشاحنة. ثم تنقل إلى معمل لمعالجتها.

ما هي طبيعة هذا المعمل؟
لدينا خيارات تقنية عدة، أهمها:
- تفكك هوائي طبيعي من دون تدخل تقني. وتحتاج هذه العملية بين شهرين وثلاثة أشهر، وينتج عنها سماد يستخدم لتخصيب وتعزيز خصائص التربة.
- تفكك هوائي بتدخل تكنولوجي. وهي عملية التفكك فيها أسرع وينتج منتجاً أفضل.
- تفكك لا هوائي ينتج عنه غاز Bio، ويولد الطاقة عبر مولدات كهربائية أو ينتج الماء الساخن، في معمل هاضم لاهوائي. وهذه العملية، يمكن رفع طاقتها وتفعيلها اقتصادياً، بمزج النفايات مع وحول المياه المبتذلة الموجودة في محطات المعالجة، فتنتج "وحولاً" صلبة.
وعملياً، لا أدعو إلى البدائية في التعامل مع هذا الموضوع، طالما توجد إمكانية لتطبيق تكنولوجيات حديثة ومتقدمة لاستخلاص منتج ذي نوعية جيدة وفي وقت قصير، خصوصاً مع وجود كميات كبيرة من النفايات المنتجة يومياً.

هل هناك أي عوائق أمام استخدام هذه التقنيات؟ وماذا عن البقايا؟
يمكن تطبيق هذه الخيارات على مستوى صغير، متوسط وكبير، بانشاء معمل قدرته الاستيعابية 500 طن أو 5000 طن يومياً. أما البقايا فإنها ليست ذات أثر على البيئة والصحة وليس لدينا مشكلة في تصريفها. إذ يمكن نقلها إلى أماكن مهددة بالتصحر مثلاً، كشمال شرق البقاع حيث توجد مساحات تخسر خصوبة أرضها. ومنذ الشهر الثاني لانشاء المعمل، يمكن زيادة قدرته الإستيعابية تدريجياً. وبكلفة جد منخفضة.

أما النسبة المتبقية، فتراوح بين 30 و35% بين سوائل يمكن استخدامها كمحسنات للنبات، وكمية قليلة من المواد الصلبة تشكل من 10 إلى 15%، يمكن رميها بطريقة منظمة، والطبيعة كفيلة بتصريفها.

خبراء البيئة أي خيار يفضلون؟ وما هي المعايير التي على أساسها يتم الاختيار؟
خبراء البيئة يفضلون الخيار الذي يؤمن ارجاع الكربون العضوي إلى الأرض بصفة كربون عضوي. هذه الفلسفة ترتكز على المحافظة على التوازن في الطبيعة، أي التخمير الهوائي التقني. لكن الخيارات الأخرى ليست سيئة. وهناك مؤشرات اقتصادية تحدد ما يجب اختياره في ضوء معطيات محددة، في وقت محدد. ففي حال كان سعر الطاقة مرتفعاً، يكون من الأفضل اعتماد الخيار الثالث لأن قيمته الإقتصادية مرتفعة. أما عند هبوط سعر الطاقة، فإنه يفضل الاتجاه نحو الخيار الثاني، ولاسيما أن لبنان يستورد السماد من الخارج.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها