الخميس 2017/02/02

آخر تحديث: 09:04 (بيروت)

|7/24| مقاطعة الانتخابات.. المعنى والأسباب

الخميس 2017/02/02
|7/24| مقاطعة الانتخابات.. المعنى والأسباب
الدعوة إلى المقاطعة لتقوية المواطنين والمعارضة للضغط في سبيل قانون ديمقراطي (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
تُقفل القوى السياسيّة- المذهبيّة باب الحكم على نفسها. وهي إذ تتساجل في شأن ما تسمّيه "قانون الانتخابات"، فلمكاسب مباشرة وفي سبيل ترجمة التسوية الدولية الإقليمية حصصاً وأحجاماً وأدواراً، في النظام وصيغة الحكم والدولة والمؤسسات والثروة والإقتصاد والمجتمع وكل شيء، كل شيء.


لهذا، في هذه اللحظة المفصلية من تاريخ لبنان، تسعى القوى السياسية، وتسعى معها المنظمات والآليّات الدولية السياسيّة والمدنية التمويليّة، لإكساب الحكم الجديد مشروعية بحصصه وأحجامه وأدواره، الظاهر منها وما يُخفى.

تلك الأسباب، أي ترجمة التسوية وتوزيع الحصص والأحجام والأدوار واكتساب الشرعية، هي الدوافع وراء اجراء الانتخابات النيابيّة، وحماسة الأقوياء الجدد لها وفق قانون يظهّر ذلك. في مقابل ممانعة المتضررين من ذلك ومسايرتهم الرياح محاولين الحفاظ على حصص وأحجام وأدوار، وعدم حصول انهيارات وتراجعات دراماتيكية على هذا الصعيد.

وفيما يفترض ذلك بقاء المواطنين والقوى المتضررة، المعارضة، اللامذهبية، الديمقراطية، المدنية، اليسارية، العلمانية، في المستوى السياسي لهذه اللحظة، مصرّة على إعداد قانون ديمقراطي، تراها قد اختصرت مطالبتها بالقانون بالاقتراح والتظاهر والنقاش في دوائر محدودة وهامشيّة. وإذ تركت القوى المذهبيّة الممسكة بالسلطة تبحث القانون، قفزت إلى البحث في شكل المشاركة في الانتخابات، مهما كان القانون. وهذا، على ما يبدو، تسليم بالهزيمة في جولة القانون من معركة الانتخابات والإصلاح الديمقراطي.

وإذ لا يمكن وصف الحال بأنها استقالة من مهمة القانون والنضال من أجله وإصلاحه وديمقراطيّته، فالمطالب ما زالت قائمة وهناك العديد من التحرّكات، لا يمكن اعتبار الخفوت في هذا المجال والقفز إلى شكل المشاركة، بلوائح معارضة أو بورقة بيضاء، إلا خدمة مجانيّة في لعبة إكساب الحكم الجديد، وقانون الانتخابات، الشرعية الشعبية والمواطنيّة، فيما الشرعية الدستورية والسياسيّة مضمونة لدى القوى المذهبيّة الممسكة بالسلطة والمؤسسات.

الدعوة إلى مقاطعة مسرحية الانتخابات إنذار في وجه الذهاب المبكر إلى "الاقتراع"، وهجرة ساحة النضال من أجل قانون ديمقراطي. أي أنّها دعوة إلى التوقف عن "خطأ" منح الشرعية إلى القوى المذهبية وقانونها وانتخاباتها وحكمها، وإن كان في ذلك "تفكير استراتيجي" ورغبة في الاستعداد المبكر للاستحقاق. ورغم ذلك فإن الدعوة إلى المقاطعة هي، أولاً، في وجه القوى السياسيّة. فالتصعيد من خلال التهديف على الانتخابات ونتائجها السياسيّة والشرعية، لا الاقتراعيّة فحسب، ضرورة. كما هو ضروري توحيد القوى والخطاب في هذه المهمّة. فالتهديد بالمقاطعة، في هذه اللحظة السياسيّة، ليس سلبيّاً أو استقالة وملازمة للبيت، إنّما موقف سياسي يقوّي المعارضة، أو المعارضات، بقدر ما يجب أن تحسب القوى المذهبية له وللمواطنين وللقوى التي تلوّح به حساباً واعتباراً.

أؤجل أسطراً قليلة مناقشة الحجج التي تواجَه بها الدعوة إلى المقاطعة، إذ لا بد من التذكير بأن الدعوة إلى المقاطعة هي تهديد في وجه القوى التي تطبخ الانتخابات، أي أنّها تكتيك سياسي وليس مبدأ أو عقيدة ونهجاً دائماً. ويفترض ذلك، أن يكون لدى القوى التي تلوّح به، خطة ب وخطة ج، وتعتمد أيّاً منها في لحظة معينة. ويفترض ذلك أيضاً أن يكون مصاناً ومتفقاً عليه. والمهم في هذا الاطار هو عدم الوقوع في فخ منح الشرعية لانتخابات وفق قانون غير ديمقراطي. ولا بد ها هنا، من التذكير بأن التهديد بالمقاطعة مرتبط بمناقشة القانون ومرحلتها، كي تفرض القوى التي تلوح بها نفسها وتدفع عملية إنتاج القانون في اتجاه ديمقراطي لتحصيل أكبر قدر ممكن من الإصلاحات. أمّا بعد إقرار القانون، فالأمر يفترض موقفاً بحسب القانون، تصعيداً كان أم انتقالاً إلى مرحلة إقرار شكل المشاركة.

أعتقد أن الأسطر السابقة تجعل مناقشة حجج نقد المقاطعة هامشيّة، بمعنى أن "توضيح" الطبيعة التكتيكية والمرحليّة للتهديد بالمقاطعة، يدعو أصحاب تلك الحجج إلى التفهم وتقديم أولويات أخرى عمليّة وجامعة، بدلاً من مناقشة سياسية، في ظل غياب آليات الحوار والتنسيق. ما يجعل الأمر باباً للانقسام والتشتت فيما يجب أن تُفتح الأبواب للعمل المشترك السياسي تكتيكاً واستراتيجيّة. وأبرز تلك الأولويّات التنسيق والمتابعة وآلياتهما التنظيميّة والسياسيّة.

رغم ذلك، ورغم توقّعي حسن النيّة، وللأمانة وعدم التهرّب من النقاش، ألخّص الانتقادات بأنها تصف الدعوة إلى المقاطعة بالسلبيّة والاستقالة من الواجب المواطني وترك الساحة للقوى المذهبيّة، مع التذكير بـ"النتائج الكارثيّة لمقاطعة القوى المسيحية سنة 1992"، وعدم استغلال الاستحقاق من أجل الحضور السياسي... وتشتيت قوى المعارضة.

ثمة سوء تفاهم ها هنا. فما تقدّم، وغيره، ينفى سمة السلبية والاستقالة من الواجب المواطني والسياسي عن الدعوة. بل يوضح أنّها تكتيك وموقف من شأنهما تقوية أصحابهما في وجه القوى السياسيّة التي تصوغ القانون على مقاساتها، وتأسس لمعارضة صاحبة موقف وخيارات وخطط. أما في شأن حجّة ترك الساحة للقوى المذهبية، فعلى العكس من ذلك، إذ تقوم الدعوة على مواجهة تلك القوى المجتمعة، وعلى الحرص على التراكم التغييري السياسي والانتخابي وعدم تعريضه لمخاطر التذويب والتبديد والمغامرة. وفي خصوص التذكير بـ"النتائج الكارثيّة لمقاطعة القوى المسيحية سنة 1992"، أقول، إضافة إلى التذكير المقابل بأنني أتحدّث عن معارضة لاطائفية، إنَّ النتائج الكارثية هي من التسوية الدولية الإقليمية وأداتها الوصاية السورية التي صاغت في 1992 وبعدها القوانين الانتخابية التي أقصت تلك القوى وغيرها وسلّطت أخرى. والكل يعرف أنَّ المعركة الانتخابيّة تُحسم، في لبنان، بالقانون. ما يعني أن المقاطعة تلك كانت، من دون تبرير، ردَّ فعل ونقضاً للانتخابات ونتائجها وعدم وهب الشرعية. وأخيراً، موضوع استغلال الاستحقاق من أجل الحضور السياسي. فهنا، يمكن القول إن ذلك يمكن أن يتحقق بأشكال وأساليب عدة وليس في المشاركة ترشيحاً واقتراعاً فحسب، بل من الشروط الرئيسة لذلك إدارة السياسة والحضور وخطابهما، إنطلاقاً من الواقع وتوقيتاته وحاجاته.

أعتقد أن هذه الحجج خائفة وقلقة أكثر من اللزوم. ومصدر ذلك، إضافة إلى الحرص على الاستقرار وإنهاض القوى غير المذهبية والمدنية والتغييرية، هو غياب الحوار والتنسيق وآليّاتهما، فهذا لا يخسّر توحيد القوى والجهود فحسب، إنما يغيّب إمكانية إنتاج تكتيك وخطاب سياسيين. ولن أضيف على ذلك.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها